ما أن تضع قدمك داخل مكتبة الاسكندرية.. حتي تشعر بانك اصبحت في عالم لا يمت بصلة الي كهوف التعصب والتخلف والجهل والخرافة والشعوذة.. انه عالم جديد يستشرف المستقبل الواعد ويحلق في اجواء المعرفة والعلم والحداثة والتكنولوجيا ويعيش في قلب ثورة المعلومات والاتصالات. في داخل المكتبة.. باحثون يكرسون كل طاقاتهم لمواكبة الطفرات والقفزات العلمية الجارية في انحاء هذا الكوكب. تركوا الثرثرة والمجالات اللفظية البيزنطية والخطب الانشائية السقيمة والعقيمة لأصحابها، وتحولوا الي مسار آخر ينفع الناس ويفتح الأبواب للمستقبل. خلال يومين أمضيتهما في الاجتماع السنوي السابع لمنتدي الاصلاح العربي.. كان ثمة احساس عميق بالتواصل وبحركة التاريخ منذ القرن الثالث قبل الميلاد عندما كانت مكتبة الاسكندرية منارة العالم ومركز اشعاع المعرفة الانسانية. الآن يوجد المعهد الدولي لعلوم الاعلام، وهو مؤسسة ابحاث تابعة لمكتبة الاسكندرية تضطلع بدور رائد في نشر المعرفة وتشجيع وتطوير الأبحاث المتصلة بالمكتبات الرقمية. كانت البداية هي حفظ التراث الثقافي والفكري ونقل هذا التراث الي عالمنا المعاصر. وهكذا تمت رقمنة عدد من المخطوطات القديمة بعد ان حصلت المكتبة علي اكثر من خمسين الف مخطوط بفضل تشجيعها للمواطنين علي ان يمدونها بالمخطوطات القديمة لتصويرها رقميا وإعادة نشر كتب التراث. الآن توجد مؤلفات من القرون الوسطي، خاصة اعمال ابن سينا، كما توجد اعمال مؤسس علم العمران البشري »ابن خلدون«. ويشمل مشروع إعادة اصدار الكتب الكلاسيكية عمالقة الفكر والنهضة في مصر، من أمثال رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك والشيخ محمد عبده وطه حسين وعباس محمود العقاد. وهكذا.. اصبح من السهل قراءة اعمال هؤلاء العظام.. حتي لو سمعت من أصحاب المكتبات العامة -عندما تطلب شراء مؤلفاتهم- انها نفدت! كل هذا التراث سيوضع علي الانترنت ويكون متاحا لكل الشباب. وتشترك مكتبة الاسكندرية مع »كينجز كوليدج« في لندن في هذا المشروع. وقد يندهش القاريء اذا علم ان مكتبة الاسكندرية قدمت دعما فنيا لمكتبة الكونجرس الامريكي، وانها تساعد الكثيرين في عملية الرقمنة. ثمة مجموعة كبيرة من المشروعات الطموحة تنفذها المكتبة بالاشتراك مع معاهد دولية. من المشروعات الهامة.. ذلك الذي يحمل اسم »ذاكرة مصر المعاصرة«، ويحتوي علي اكثر من 06 الف مادة أو موضوع.. كلها ترصد تاريخ مصر في المائتي سنة الاخيرة »من عام 0081 حتي عام 1891« وهذا المشروع يستكمل موقعا اليكترونيا آخر يتناول تاريخ مصر علي امتداد سبعة آلاف سنة. وموقع »ذاكرة مصر المعاصرة« الالكتروني يتكون من ثلاثة أجزاء رئيسية هناك موقع الحكام ورؤساء الوزارات.. وتجد فيه كل المواد التي تتعلق بالحكام منذ محمد علي باشا وخلفائه حتي الرئيس جمال عبدالناصر والرئيس أنور السادات. وهناك موقع رؤساء الوزارات ابتداء من نوبار باشا، مرورا بالزعيم سعد زغلول ومصطفي النحاس حتي الدكتور فؤاد محيي الدين. وهناك الشخصيات العامة، مثل مكرم عبيد وفؤاد سراج الدين.. وهناك موقع الأحداث، التي تبدأ بالحملة الفرنسية علي مصر عام 8971 وتفاصيل حادثة دنشواي عام 6091، وكل الاحداث والوقائع المرتبطة بصدور دستور عام 3291 »ويمكنك ان تقرأ النص الكامل لوثيقة الدستور«. أما الجزء الثالث الخاص بالموضوعات، فإنه ينقسم الي اربعة اقسام: الحياة السياسية - والاقتصادية - والاجتماعية - والعلمية. وبعد ذلك الثقافة والفنون. وتجد في قسم الحياة السياسية، مثلا، الدساتير والمجالس النيابية والمعاهدات والاتفاقيات. كما توجد الطوابع، التي لها علاقة بتلك المعاهدات، والاتفاقيات، وكذلك العملات النقدية التي تربط بأحداث تاريخية هامة. وفي موقع »ذاكرة مصر المعاصرة« توجد 5.2 مليون وثيقة. وهناك -علي الموقع- مجلة »الهلال« منذ صدورها في عام 2981 وكل المعلومات عن شركة قناة السويس وبنك مصر وشركة هليوبوليس و... وكلمة الرقمي تعني التكنولوجيا الالكترونية التي تتولي توليد وتخزين ومعالجة البيانات ونقلها عبر استخدام الشفرة الكمبيوترية. وفي عالم الرقمية، فإن حيز المعلومات ليس محدودا بالابعاد الثلاثة للعالم الفيزيقي. وعالم الاشارات الرقمية اكثر مرونة وسوف يجعل الحدود السابقة والقديمة تتآكل بصورة متزايدة. ولا يفوت مكتبة الاسكندرية ان تضيف كل اسبوع المزيد من المواد والمعلومات الي مواقعها، مع ملاحظة اهتمام المكتبة.. حتي بالاعلانات التي تنقل الباحث الي مناخ الحياة الاجتماعية في فترات تاريخية سابقة »مثل اعلان عن وابور جاز.. ماركة بريموس«! انه جهد بحثي وعلمي وتكنولوجي هائل.. ساعد علي توسيعه واستكماله ذلك الكمبيوتر العملاق، الذي تعتمد عليه المكتبة الآن ويملك القدرة علي تشغيل العشرات من البرامج في وقت واحد، وتنفيذ جميع العمليات المعقدة التي تحتاج الي سرعة وكفاءة عالية. ويمكن ربط برامج هذا الكمبيوتر بالآلاف من شاشات العرض ولوحات المفاتيح في المؤسسات الكبري مثل وكالة »باسا« الامريكية لابحاث الفضاء وبعض الجامعات الكبري. مشروع المليون كتاب الذي تنفذه المكتبة تستخدم فيه آلة لعملية نقل النصوص ومعالجتها. وفي ابريل من العام الماضي، اعلنت المكتبة عن بدء تنفيذ مشروع اكبر مكتبة رقمية باللغة العربية في العالم حتي الآن، كجزء من خطة اقامة »مستودع المحفوظات الرقمية«. ومجموعة الكتب العربية التي تمت رقمنتها تتجاوز 051 الف كتاب، ويزداد هذا الرقم كل يوم. وهذه مساهمة كبري في تخطي المحتوي المحدود للانترنت باللغة العربية. وفي الوقت الحاضر، تعمل مكتبة الاسكندرية، مع فريق من الخبراء وبالاشتراك مع جامعة بتسبرج، لاطلاق أول منهج دراسي »سوبر« في شكل محاضرات في علم الاوبئة والطب الوقائي لتمكين مدرسي العلوم علي نطاق العالم من إعداد خبراء علي مستوي عال. ويشارك في هذه الشبكة الالكترونية 56 الف عالم من 571 دولة.. يستخدمون هذه المحاضرات التي يتم تدريسها لاكثر من مليون طالب. وهناك اكثر من 0053 محاضرة بإحدي وثلاثين لغة. ويحق لكل فرد ان يستخدم اي محاضرة لكي يشرحها لطلابه أو يستخدم صفحات معينة منها لإعداد محاضرته يشرحها لطلابه أو يستخدم صفحات معينة منها لاعداد محاضرته. وهناك مشروع »موسوعة الحياة« حيث توضع صفحة علي الشبكة الالكترونية لكل كائن من الكائنات الحية للتعريف به. وتقوم المكتبة بأبحاث متطورة حول المكون العربي للشبكة الدولية -التي ترعاها الاممالمتحدة- لبرنامج الترجمة للغات متعددة بواسطة الكمبيوتر، وهو برنامج يلقي عبء الترجمة علي عاتق الكمبيوتر. رغم ان عمر مكتبة الاسكندرية لا يتجاوز 8 سنوات، فإن لها رصيدا كبيرا من الانجازات.. والحديث عنها لا ينتهي. فالمكتبة تريد ان تكون جديرة بأن تنظر اليها مصر والعالم باعتبارها الوريث العصري للمكتبة القديمة التاريخية. ومن هنا، فإن مديرها الدكتور اسماعيل سراج الدين يدعونا الي البحث عن حلول مشتركة مع بقية العالم للتعامل مع الحقائق الجديدة في ظل ثورة تكنولوجية معرفية اتصالاتية ليس لها حدود.