كان مؤكدا في كل مرة، وفي كل مناسبة يأتي فيها ذكر غزة، وما يحدث فيها، وما تتعرض له علي يد الاحتلال، وعلي إيدي بعض ابنائها، ان اسرائيل ظلت طوال السنوات الماضية، ولا تزال حتي الآن، تسعي لتحقيق حلمها التاريخي في ان تنتهي والي الأبد القضية الفلسطينية، وأن تتخلص من المطالبات الدولية الضاغطة لوضع حد للاحتلال، وضرورة الانسحاب، والتوصل لحل شامل تقوم من خلاله الدولة الفلسطينية المستقلة علي أراضي الضفة وغزة وعاصمتها القدس العربية. وقلنا وكررنا في كل المناسبات، وما أكثرها، ان رؤية اسرائيل وحلمها القديم المتجدد، لم يتغير، وانها تتحين الفرص لتحقيقه، وان تلك الرؤية تقوم علي فكرة بسيطة وبالغة الخبث في ذات الوقت، حيث انها تريد ان تنسحب مادياً ومعنوياً من احتلالها لقطاع غزة علي ان تتولي مصر مسئولية القطاع. وفي هذه الحال، وطبقاً للرؤية أو الحلم الإسرائيلي، تتحمل مصر جميع المسئوليات الحياتية، سواء الإدارية أو الاقتصادية أو السياسية في غزة، وتنتهي مسئولية إسرائيل القانونية عن القطاع، وتنتهي في ذات الوقت صلة غزة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وينتهي ربطها بالدولة الفلسطينية المستقلة التي يطالب الفلسطينيون والعرب بها. قلنا ذلك في أكثر من مناسبة، وكررناه كثيراً، وقلنا ان تلك هي رؤية إسرائيل، وذلك هو هدفها منذ زلزال أكتوبر 37، واسترداد مصر لأرضها بعد اضطرار قوات الاحتلال للانسحاب منها بنيران المدافع، ودماء الشهداء، وحرب السلام، علي مائدة المفاوضات. وأكدنا أن رابين وزير دفاع إسرائيل، ورئيس وزرائها هو صاحب هذه الرؤية، وان كل رؤساء حكوماتهم تبنوا هذه الرؤية بعد ذلك، ويتمنون تحقيقها، ويسعون إلي ذلك بكل الوسائل، وجميع السبل، وانهم عرضوا هذا الطرح علي مصر أكثر من مرة ولكنها رفضت. وأكدنا مراراً وتكراراً، وفي كل الأوقات، وجميع المناسبات، أن مصر عندما رفضت ذلك، ولا تزال ترفضه جملة وتفصيلاً، فإن ذلك ينطلق من حرص مصر البالغ علي القضية الفلسطينية، وايمانها الكامل بحق الشعب الفلسطيني الشقيق في الحرية والاستقلال، وقيام دولته المستقلة وذات السيادة علي أرضه الفلسطينية المحتلة في عام 7691، والتي تشمل الضفة وغزةوالقدس العربية،...، وان ذلك يقتضي ان تبقي دائماً غزة والضفة أرضا فلسطينية، وان يظل شعبها يسعي للتحرر، ويعمل لاقامة الدولة.
وفي هذا الاطار نبهت مصر أكثر من مرة الي خطورة الدعاوي التي تصدر عن البعض بالغفلة أحياناً وسوء القصد أحياناً أخري تطالب بأن تقوم مصر بدور الراعي الكامل والشامل لغزة، وان تتولي هي المسئولية الكاملة عنها وعن الاخوة الفلسطينيين من ابنائها، وان تكون هي المسئولة عن القطاع وشعبه مسئولية مادية ومعنوية وقانونية. نبهت مصر بصفة دائمة، ان تلك دعوة باطلة ويراد ايضاً بها باطل، وانها لا يقصد بها خير أو مصلحة للإخوة الفلسطينيين، ولا بالقضية الفلسطينية، حتي وان كان ظاهرها الرحمة بأبناء القطاع والرغبة في وضع حد لمعاناتهم تحت الحصار الظالم الذي تفرضه عليهم اسرائيل،...، ولكن هذا هو الظاهر فقط، لأن الباطن أو الحقيقة المؤكدة تحت السطح الظاهر تقول لكل ذي عين تري، وعقل يميز بين الصواب والخطأ، ان في ذلك إزالة العبء والمسئولية القانونية والسياسية المفروضة طبقاً للقانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة، علي المحتل، الذي هو اسرائيل في هذه الحالة، وإلقاء هذه المسئولية علي مصر،...، وهذا لا يصح، ولا يجب. هذه واحدة، أما الثانية وهي أكثر خطورة، وأشد ضرراً، فإن هذا الوضع لو تم، فإنه يتيح لإسرائيل الإعلان للعالم كله بأنه لا موجب ولا ضرورة لقيام الدولة الفلسطينية علي الاطلاق، حيث ان غزة أصبحت محافظة تابعة لمصر، وعلي مصر تحمل المسئولية الإدارية والسياسية في الأقاليم التابعة لها،...، وهكذا فلا موجب للحديث مع اسرائيل في هذا الشأن علي الاطلاق، ولا حاجة لقيام دولة فلسطينية أصلاً وأساساً. وقد نبهت مصر دائماً وأبداً لهذه المخاطر، وأكدت في كل مرة علي رفضها التام لمثل هذه الأفكار، وتلك الرؤي، وأوضحت في كل مرة ترتفع فيها الأصوات المؤيدة لهذه الأفكار، وتلك الرؤي، مدي الضرر الفادح الذي سيلحق بالقضية الفلسطينية، ومدي الخطورة التي ستحيق بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وسعيه المستمر لإقامة دولته المستقلة علي أرضه المحتلة في الضفة والقطاع.
ولكن البعض للأسف لا يريد أن يفهم ذلك، لا يريد أن يستوعبه، والبعض الآخر يصر علي خلط الأوراق، ويطالب بإزالة جميع الإجراءات المنظمة للدخول والخروج من غزة إلي مصر، وان تكون الحركة في التنقل حرة وبلا أي قيود عبر الحدود، بحيث لا تكون هناك حدود، أو موانع، بحجة أن ذلك هو الحل، وهو الطريق لفك وكسر، وإنهاء الحصار علي الاخوة في غزة،...، وتلك دعوة حق يراد بها باطل. والحق هنا هو الدعوة لكسر الحصار لأن ذلك مطلب مشروع، نسعي إليه جميعاً ونطالب به، ونعمل لتحقيقه،...، أما الباطل فهو أن هذا ما هو تسعي إليه إسرائيل، وهذا هو ما تريده، وان المطالبين به انما يحققون لإسرائيل ما تسعي إليه وما تتمناه، وهو ان تتنصل من المسئولية القانونية والسياسية عليها كقوة احتلال، وتلقيها علي مصر.
وفي هذا الشأن لعلنا نذكر جميعاً تلك الضجة الهائلة وغير الواعية التي اثارها البعض عندما رفضت مصر المحاولات المشبوهة، التي سعت لدفع الشعب الفلسطيني الشقيق في غزة إلي سيناء، بعد قيام أشاوس حماس بتحطيم الحواجز واقتحام خط الحدود، والتدفق إلي رفح المصرية، ووسط سيناء. ولعلنا لم ننس بعد ما وضح خلال تلك الواقعة، من وجود أصابع مشبوهة لقوي اقليمية، تلعب علي الساحة الفلسطينية، وتسعي لاثارة القلاقل، علي الحدود المصرية الفلسطينية، وتسعي في ذات الوقت لزيادة الخلافات الفلسطينية الفلسطينية، واستقطاب حماس في صفها، ودعم انقلابها علي السلطة الفلسطينية، واستخدام الورقة الفلسطينية كورقة ضغط في مفاوضاتها مع الولاياتالمتحدة والغرب. وأحسب اننا جميعاً مازلنا نتذكر تلك الحملة المشبوهة والظالمة التي تعرضت لها مصر خلال تلك الواقعة، من جانب أشاوس حماس، وخطباء وحناجر حزب الله، بتوجيهات ودعم واضح ومؤكد، من ايران، وهي الحملة التي حاولوا فيها إضفاء المشروعية علي من ارتكب جريمة خرق الحدود المصرية، والتعدي علي السيادة الوطنية المصرية، والإدعاء بوقوف مصر ضد الشعب الفلسطيني واضطهادها له وقيامها بزيادة معاناته، إذا ما رفضت التعدي علي ارضها، وخرق حدودها، والاعتداء علي سيادتها، والتصدي لمحاولات هز الاستقرار، والإضرار بسلامة وأمن مواطنيها.
وفي هذا السياق، وخلال تلك الحملة سمعنا مهاترات كثيرة، وسفاهات عديدة، كلها تقول بأن مصر تخلت عن دورها القومي، وانها اسقطت القضية الفلسطينية من حسابها، وانها تزيد من معاناة الشعب الفلسطيني، وانها.، وانها،...، وكلها ادعاءات ظالمة، ومغالطات مفضوحة، وأكاذيب وقحة، تحاول ان تشوه وجه مصر، وتسعي للحط من قدرها، والضغط عليها بكل الوسائل لعلها تفقد القدرة علي الرؤية الصحيحة، وتتوقف عن السير في الطريق الصحيح. وفي هذا السياق أيضاً، كان لافتاً للنظر، ومثيراً للانتباه، وللأسف في نفس الوقت، أن نري ونشاهد تأييداً ومساندة من البعض منا، وبالذات أعضاء الجماعة المحظورة لهذه الدعاوي الظالمة، وتلك المغالطات المفضوحة، بحجج غير صائبة، وذرائع ما انزل الله بها من سلطان، تخفي في باطنها وجوهرها رغبة حقيقية في مساندة توجهات أشاوس حماس ولو علي حساب استقرار وأمن مصر،...، وهذا شيء مؤلم ومؤسف في ذات الوقت، خاصة وأنهم راحوا يشككون في صحة ومصداقية ماتعلنه وزارة الخارجية المصرية من أن الساعي لذلك يخدم أهداف إسرائيل، ويحقق أحلامها المعلنة، ويضر في ذات الوقت بالقضية الفلسطينية، ويهددها بأخطار لا علاج لها. وظل هذا حالهم وحال المتعاطفين معهم، بالغفلة أو سوء الفهم في أحيان، أو سوء القصد وفساد الطوية في أحيان أخري، طوال الأيام والشهور والسنوات الماضية، رغم كل المحاولات الجادة للارشاد والتصحيح والتنبيه، متجاهلين الحقائق الواضحة، والمؤكدة، التي تقول بأن اسرائيل، ومنذ رابين وحتي الآن، تريد أن تتخلي عن مسئولياتها القانونية والسياسية كدولة احتلال لقطاع غزة، وان تلقي بهذه المسئولية علي مصر، وان في ذلك نهاية لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولته المستقلة وذات السيادة.
وطوال الأيام والشهور والأعوام الماضية ظلوا علي حالهم، وظل المتعاطفون معهم، علي حالهم ايضاً، في انكار الحقائق الواضحة والمؤكدة، والتي تقول بأنهم في دعاويهم تلك انما يخدمون اسرائيل، ويحققون أغراضهما، في هدم القضية الفلسطينية والقضاء عليها. وظل هذا الوضع قائماً وكأننا نؤذن في مالطا حتي الأمس القريب،...، حيث أعلن فجأة ودون انتظار، وزير المواصلات الإسرائيلي »إسرائيل كاتس« بأن إسرائيل لديها خطة واضحة ومحددة لإنهاء الضجة القائمة حول الحصار الإسرائيلي علي غزة، وما أثير بشأن كسر الحصار، واللغط الدائر بخصوص ذلك، وان هذه الخطة تتضمن ان تتولي مصر مسئولية القطاع، وانه هو كوزير المواصلات لاسرائيل لديه الاستعداد الكامل لوضع خطة لربط غزة بالبنية التحتية المصرية، وفي هذه الحالة لن تكون هناك مشكلة. كلام »اسرائيل كاتس« وزير المواصلات الاسرائيلي واضح،...، فهو يؤكد ان اسرائيل تري ان حل مشكلة غزة في إلقائها علي مصر،...، وأحسب ان هذا لا يحتاج إلي تعليق منا، ولكنه يحتاج إلي إعادة نظر وتفحص وتأمل من جانب كل من كانوا ومازالوا يشككون في موقف مصر في هذه القضية. وبالطبع كان رد الفعل المصري فوريا وعاجلا، حيث ان المسألة خرجت من دائرة مجرد الرغبة والرؤية من جانب إسرائيل، إلي دائرة أخري وهي التصريح بأن هناك خططا إسرائيلية لربط البنية التحتية لغزة بالبنية التحتية لمصر،...، وهذا يستوجب ردا حاسما وواضحا.
وبالفعل كان الرد علي قدر التصريح، حيث اعلنت الخارجية المصرية علي لسان المتحدث الرسمي الرفض الكامل للتصريحات الإسرائيلية، وما تكشفه من نوايا سلبية لإسرائيل تجاه هذه المسألة،...، وقال المتحدث ان هذا الكلام يؤكد بما لا يدع مجالا للشك علي ان هناك تفكيراً إسرائيلياً رسمياً للتنصل من مسئولية قطاع غزة، وإلقائها علي مصر، وهو الأمر الذي ترفضه مصر تماماً، وسبق أن حذرت ولا تزال تحذر من تبعاته علي مستقبل القضية الفلسطينية. وأكدت الخارجية بوضوح ان قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتالي هو جزء من الدولة الفلسطينية القادمة، ولا مجال لحديث أو أفكار خلاف ذلك،...، حتي وان كان البعض في اسرائيل لا يزال يحلم بأن أفكاره يمكن ان تتحقق أو يكون لها موضع اعتبار. ولم يفت المتحدث الرسمي للخارجية، ان يهدي هذه التصريحات التي أطلقها وزير المواصلات الإسرائيلي إلي كل الذين يشككون في الموقف المصري تجاه قطاع غزة والتأكيد علي وضعيته القانونية.
ونحن من جانبنا نهدي هؤلاء المشككين هذه التصريحات مع التأكيد علي أملنا ان يتدبر هؤلاء ومن يتعاطفون معهم الموقف الإسرائيلي المعلن، حتي لا يكونوا مطايا لأهداف إسرائيل، ووسيلة لخدمة أغراضها بالغفلة أو سوء القصد.