للوظائف العامة وزنها واحترامها داخل المجتمع، في كل دول العالم،...، ودائما وأبدا، يكون الوزن ويكون الاحترام علي قدر ضرورتها ولزومها في خدمة المواطنين، وتيسير أمور حياتهم، والوفاء بمتطلباتهم المادية أو المعنوية، أو تنظيم علاقتهم بالدولة، وبعضهم البعض. وفي الوظائف العامة، في كل الدول، وجميع المجتمعات والشعوب المتحضرة، لا خلاف علي الاطلاق علي الأسس المنظمة للعمل، وحدود المسئولية والواجب، وأيضا حدود السلطات اللازمة للقيام بهذه المسئولية، والوفاء بذلك الواجب، الملقي علي كاهل شاغلي هذه الوظائف، والمكلفين بها. تلك من البديهيات المتعارف عليها، والمعمول بها بكل الصرامة والانضباط في كل الدول، علي وجه العموم، وفي الدولة المصرية علي وجه الخصوص، بما تحتويه من مؤسسات وهيئات ودواليب عمل مستقرة وواضحة المعالم، ومحددة المهام والمسئوليات في إطار منظومة واحدة تتكامل وتتعاون في خدمة الوطن والمواطن، دون تعارض أو تطاحن، ودون تداخل في السلطات، أو تنازع في الاختصاصات، ملتزمة في ذلك بمباديء القانون، ونصوص الدستور. وانطلاقا من ذلك، وتأسيسا عليه، ليس لأحد علي الاطلاق، ان يعطي لنفسه حق الاعتداء علي أحد آخر، أو إهانته، أو امتهان كرامته بأي صورة من الصور، أو علي أي شكل من الأشكال، مستغلا في ذلك سلطة أو سطوة، استمدها من منصب يتولاه، أو موقع يكلف بإدارته، أو وظيفة يشغلها، مهما كان هذا المنصب، أو ذلك الموقع، أو تلك الوظيفة. تلك حقيقة واضحة، ويجب أن تكون راسخة في وجدان كل مواطن علي أرض مصر، كما هي واضحة في أذهان ووجدان وعقول كل المواطنين في جميع الدول المتحضرة، والتي لا تقل مصر عنها حضارة، بل تزيد. ويتساوي في ذلك كل الناس، وجميع المواطنين علي أرض مصر، سواء كانوا قضاة أو محامين، أو وكلاء للنائب العام، أو أطباء أو علماء، أو مهندسين، أو مدرسين، أو وزراء، أو خفراء،...، وسواء كانوا نساء أو رجالا، ويتساوي في ذلك الأغنياء والفقراء،...، لا فرق بين أحد وآخر، الكل مواطن، والكل له نفس الحقوق، وعليه نفس الواجبات،...، دون تمييز علي أساس جنس أو لون، أو دين. وفي هذا الإطار، يكون الكل أمام القانون سواء، لا فرق في ذلك بين مواطن وآخر، ولا فارق بين شاغلي الوظائف العليا أو الدنيا، ولا تمييز لأحد دون غيره، إلا علي قدر كفاءة العمل، والقيام بالمسئولية، والالتزام المهني والأخلاقي،...، تلك هي القواعد المنظمة لحياة البشر، في مصر أو غيرها من الدول، ذات المؤسسات الراسخة. وفي هذا الإطار أيضا، يكون الاحتكام للقانون، هو الملجأ الوحيد للكل، إذا ما حدث خلاف ، أو تجاوز للأسس والقواعد المعمول بها، والمتفق عليها، في العلاقة بين الأفراد، أو المؤسسات، أو الهيئات،..، ويكون واضحا في أذهان الجميع، انه لا ملجأ إلا للقانون، ولا سند لأحد غير القانون، وانه ليس واردا علي الاطلاق أن يلجأ أحد الأفراد إلي جماعة ينتمي إليها، أو فئة هو منها، أو عائلة يحتمي بها، ليأخذ حقا يتصوره لنفسه، أو يفرض واقعا يراه صحيحا، بعيدا عن القانون. كما انه ليس واردا أيضا، ان يأخذ احد بناصية القانون، ويشرع في تنفيذ ما يراه صوابا بيديه، طبقا لرؤيته هو، ضاربا عرض الحائط بالنظام العام وضرورة الالتزام بالقانون، والتحرك في إطار الشرعية.
أقول ذلك بكل وضوح، وبكل الحزن والألم، مشيرا الي ما نشاهده ونتابعه هذه الايام، من ازمة تفجرت دون توقع، واشتعلت دون مقتضي بين سدنة العدالة »القضاة« وسدنة الدفاع »المحامين«، وكلاهما طرف أساسي ورئيسي في منظومة العدالة ذات الجناحين،...، أولهما القضاء الجالس والثاني القضاء الواقف، ولا يستطيع احد منا او منهم ان يغير الواقع او ينكر المعلوم، من انهما طرفا منظومة واحدة وبيت واحد، ومن غير المتصور ان يقوم تناقض بينهما، فبدون اي منهما لا تكتمل المنظومة، ولا يستبين الحق ولا يقوم العدل. ولن اتعرض هنا لما جري وما كان، ولن اتطرق للوقائع المؤسفة التي حدثت، ولن انزلق الي انصاف احد منهما علي حساب الآخر، كما لن ابريء احدا او ادين آخر، فليس هذا هو القصد، وليس ذلك هو الهدف، فلكل منهما لدي احترام وتوقير يعلو علي ذلك، ولكل منهما في نفسي تقدير كبير، ومكانة عالية، كنت ولازلت ارجو ألا تهتز، وفي هذا نحن لا نتحدث عن افراد ندرك انهم يصيبون ويخطئون، ولكننا نتحدث عن قيمة البحث عن الحق، وسمو الدفاع عن المظلوم، ورفعة العدالة، ومنزلة من يتولي الفصل بين الناس، والعدل بينهم.
وفي هذا اقول بكل الألم والأسي، اننا ما كنا نتمني لرجال القانون وجناحي العدالة ان يكونوا في مثل ما هم عليه في هذه الازمة،...، ونقول ايضا اننا نثق في حكمة كل منهما، وقدرة كل منهما علي حماية وضمان كرامة وهيبة الطرف الاخر. فهل يحدث ذلك؟! أرجو ان يحدث، وأن يكونو علي قدر ثقة المجتمع فيهم واحترامه وتقديره لهم.