تحليل أبعاد قرار مجلس الأمن الجديد الذي سعت إليه الولاياتالمتحدة لا يمكن أن يقتصر علي طبيعة ما يتضمنه من العقوبات المفروضة علي إيران فيما يتعلق بملفها النووي.. وإنما الأهم هو ما يمكن أن تقود إليه إجراءات تنفيذها من أحداث درامية، ليس مستبعداً أبداً أن يؤدي إلي خطوة غير محسوبة أو محسوبة علي هذا الطريق المعقد إلي مشكلة من السهل جداً أن تتطور إلي صدام عسكري. هذا يمكن أن يحدث في حالة اللجوء إلي تفتيش السفن المتجهة إلي إيران والتي ستقوم بها سفن أساطيل الولاياتالمتحدة ودول حلف الأطلنطي في عرض البحر. ليس خافياً أن عملية التصويت في مجلس الأمن وليس مضمون القرار الصادر صدمة شديدة للنظام الإيراني الذي كان يراهن علي موقف الاتحاد السوفيتي والصين متوقعاً استخدامهما لحق الفيتو لوقف هذا القرار الذي استمر الحديث عنه لشهور طويلة. لقد جاءت موافقة كل من موسكو وبكين علي القرار ليصدر بإجماع الدول الخمس الكبري دائمي العضوية وهي الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين إضافة إلي 7 من الأعضاء غير الدائمين ليكون المجموع تأييد 21 من أعضاء مجلس الأمن ال51 بفرض العقوبات. ورفضت تركيا والبرازيل القرار بحكم مشاركتهما في آخر محاولة إيرانية لتجنب هذه العقوبات من خلال اتفاق المبادرة بتبادل اليورانيوم المخصب بينما امتنعت دولة لبنان عن التصويت. من الضروري أن أقول إن قرار مجلس الأمن قد وضع نهاية غير سعيدة للنجاحات التي حققتها إيران في المماطلة والتسويف واللف والدوران فيما يتعلق ببرنامجها النووي والتي كان آخرها الاتفاق الذي وقعته مع كل من البرازيل وتركيا حول تبادل اليورانيوم المخصب. علي العكس من ذلك فقد جاء تصويت مجلس الأمن وبهذه الأغلبية التي شملت كلا من روسيا والصين الدولتين اللتين ظلتا تعارضان فرض العقوبات واستبدالها بالحوار الدبلوماسي.. بمثابة انتصار لسياسة أوباما. ولا يمكن تبرئة هذه النتيجة التصويتية في مجلس الأمن التي جاءت لصالحه من وجود صفقات بين واشنطن وكل من موسكو وبكين لخدمة مصالح الأطراف الثلاثة. من ناحية أخري فإن صدور قرار فرض العقوبات الاستراتيجية علي إيران وفقاً للأجندة الأمريكية وبعد حوارات ومشاورات مع كل من روسيا والصين لصالح الضغوط التي مارستها واشنطن لمنع إسرائيل من تحرك عسكري متهور كانت تنوي القيام به ضد إيران لتدمير قدرتها علي صنع أسلحة نووية. هذه الضغوط لا تعني أن واشنطن دولة البطش الواحدة والقوة الأعظم في هذا العالم قد قبلت بالتحدي الإيراني وإنما علي ما أعتقد فإن واضعي الاستراتيجية الأمريكية فيما يتعلق بهذا الصراع في إدارة أوباما يرون أن عليهم تحديد موعد الصدام واختيار الوقت المناسب له واضعين في الاعتبار أهمية استنفاد كل السبل السلمية لاستقطاب الرأي العام الدولي تجنباً للانعكاسات السلبية التي صاحبت التجربة التي ورط فيها الرئيس السابق بوش الولاياتالمتحدة في حربي أفغانستان والعراق. ولعل ما يمكن أن يحسب لصالح إدارة أوباما للصراع مع إيران نجاحه في وضع إسفين في العلاقات بين موسكو وطهران. لقد تمثل ذلك في تبادل الاتهامات علناً من خلال المؤتمرات ووسائل الإعلام بين المسئولين الروس والإيرانيين بعد سنوات طويلة من التقدم الإيجابي الذي شهدته العلاقات بين البلدين سواء في المجالين العسكري أو الاقتصادي أو النووي. أعتقد أن قرار مجلس الأمن سوف يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعامل مع الملف النووي الإيراني سوف تنعكس آثارها علي الأوضاع الداخلية في إيران، في هذا الإطار فانه من المتوقع وعلي ضوء التوترات السائدة علي الساحة الداخلية أن تتطور الأمور داخليا في ايران. من المؤكد أن الولاياتالمتحدة وحلفاءها يرحبون بأي تغييرات يمكن حدوثها علي الساحة الداخلية.. إنهم في حالة ترقب وعلي استعداد للحوار مع إيران إذا ما تحقق هذا الأمل.