ليس غريبا أن يواجه الخبراء صعوبة بالغة في تحليل العلاقة الغريبة بين الولاياتالمتحدة دولة القطب الواحد في العالم وبين اسرائيل الدولة النشاز والمتمردة علي الشرعية وكل المواثيق الدولية التي تحكم سلوكيات وتصرفات الدول. ان ما تشهده الساحة من تواطؤ ودعم وتأييد ومسالمة أمريكية بلا حدود لكل الممارسات الاسرائيلية المناهضة باصرار للاعراف الدولية والقيم الاخلاقية ومباديء حقوق الانسان يجعلنا نستعيد المثل الدارج الذي يقول: »حسنة وأنا سيدك«. في هذا الاطار لا يعقل بأي حال من الاحوال ان تحتل الولاياتالمتحدة مركز ولية النعم ومصدر حياة هذا الكيان العنصري العدواني ولا تستطيع ان تفرض عليه احترام المواثيق الدولية والانسانية وضبط سلوكياته تجاه الشعب الفلسطيني المحتلة أراضيه بالقوة المسلحة. ليس من تفسير لهذا الذي يحدث سوي ان العلاقات الامريكية الإسرائيلية تخضع للمحورين الرئيسيين التاليين: المحور الأول.. هو ان اسرائيل تملك كل الوسائل والادوات التي تكسر بها عين اكبر دولة في العالم وتجعلها تصبغ عليها الحماية الكاملة ضد الرفض الشامل لسياستها من غالبية الرأي العام العالمي وكذلك من منظمات الاممالمتحدة. في كل المناسبات تؤكد واشنطن انها علي استعداد دوما للوقوف ضد هذا العالم من أجل اسرائيل. أما المحور الثاني.. فإنه يستند علي ان ما تقوم به اسرائيل في المنطقة العربية انما يعكس مخططا امريكيا تتولي تنفيذه بهدف إشاعة مناخ من عدم الاستقرار. انه يضمن لها القوة والحماية الامريكية اللازمتين من اجل ممارسة سياسة الارهاب والهيمنة والتسلط علي مقدرات دول المنطقة. في نفس الوقت تعمل أمريكا علي تحييد وتجميد الدول القادرة علي التصدي لهذا الدور الاسرائيلي بكل الوسائل المتاحة. ان ما يشجع علي تبني هذه السياسة هو ما تبديه هذه الدول المجمد دورها من استسلام للضغوط الامريكية سواء كانت سياسية أواقتصادية أو عسكرية. ولتفعيل هذا الدور الامريكي فلا مانع من استقطاب العملاء في المنطقة سواء كانوا دولا وافرادا من اجل نشر الفتنة والانشقاقات والخلافات بين دول المنطقة بما يؤدي الي الفرقة التي تُعطل اي وحدة للمواقف أو المواجهة. هنا يمكن القول ان هناك مصلحة مشتركة بين واشنطن وتل ابيب لا يمكن أن تكون غائبة عن أي تحليل أو تدقيق في طبيعة العناصر التي تحكم العلاقات بين الطرفين. هذا الواقع تفضحه هذه الميوعة والرعونة وعدم المسئولية التي واجهت بها الولاياتالمتحدة دون كل دول العالم جريمة اسرائيل البشعة بفرض الحصار علي قطاع غزة وتحويله الي سجن كبير يضم بين جنباته مليونا ونصف المليون مواطن. تجسد هذا الموقف في التعامل الذي يتسم بالاستهتار مع المذبحة التي ارتكبتها اسرائيل ضد المدنيين علي سفن الحرية التي كانت تنقل المساعدات لشعب غزة وكذلك إمعانها في مواصلة هذه الجرائم بالهجوم علي سفينة المساعدات الايرلندية. كل ما استطاعت دولة امريكا بجلالة قدرها وجبروتها ان تفعله في مواجهة هذه المحاولات الانسانية الشجاعة هو تقديم النصح للقائمين عليها بالاستسلام لاسرائيل وعدم التوجه الي غزة!! ليس خافيا ان الانشقاق الذي اقدمت عليه حركة حماس مستهدفة الانفصال عن الوطن الفلسطيني علي امل تشكيل امارة يحكمها التسلط الايراني قد لقي ترحيبا من جانب اسرائيل وبالتالي امريكا رغم الصراخ التمثيلي والممارسات التي يروح ضحيتها ابناء الشعب وليس كبراء حركة حماس سواء الذين يعيشون علي ارض غزة أو في دمشق الفيحاء حليفة طهران. لقد كان من الممكن لو أن قادة حماس حريصون علي مصالح الشعب الفلسطيني ان يعملوا باخلاص وامانة علي تحقيق المصالحة الفلسطينية واتخاذ الخطوات لعودة وحدة الارض الفلسطينية وبالتالي وحدة السلطة التي يختارها الشعب بكل الحرية عبر الانتخابات. هذا الأمر يقطع الطريق ولا جدال علي عدم تنفيذ الاتفاقات الدولية التي كانت سائدة والتي لا تمنح اسرائيل مبررات حصار قطاع غزة. ان ما نلمسه وندركه ان اهتمام حماس الاول حاليا هو الاحتفاظ بسيطرتها ودولتها المهلهلة علي ارض قطاع غزة المنشق بالانقلاب الذي قامت بالتخطيط له وتنفيذه. من هذا المنطلق فإنها لا تريد مصالحة تحرمها من هذه السيطرة وهذه الهيمنة حتي لو كان الفيصل في هذا الامر متروكا للشعب من خلال انتخابات حرة نزيهة مثل تلك التي جاءت بها الي الحكم. ولكن تقول لمين خاصة عندما تكون الغلبة لحديث الدولارات البترولية سواء كانت ايرانية أو عربية. جلال دويدار [email protected]