بناء علي طلب من حلف شمال الأطلنطي عقد المجلس المصري للشئون الخارجية مع الحلف ندوة مشتركة جرت في القاهرة في 4 مارس 2010. وكان هدف تلك الندوة هو مناقشة المفهوم الذي يجري الإعداد له لبناء إستراتيجية جديدة للحلف عام 2020. وكان دافع المجلس المصري للشئون من المشاركة في هذه الندوة هو إطلاع ممثلي الحلف علي الاهتمامات الأمنية لمصر خاصة في منطقتها من العالم وحتي يمكن أن تراعي هذه الاهتمامات وتنعكس في الإستراتيجية الجديدة التي يقوم الحلف باعدادها. وقد صدر في 17 مايو 2010 التقرير الذي أعدته اللجنة التي كلفها سكرتير عام الحلف برئاسة مادلين أولبرايت وزيرة خارجية أمريكا السابقة وضمت فريقا من الخبراء وعقدت حلقات مكثفة للناقشات مع علماء ومسئولين مدنيين وعسكريين داخل الحلف وخارجه، وسوف يستعين سكرتير عام الحلف بهذا التقرير في صياغة المفهوم الإستراتيجي الجديد الذي سيتم عرضه علي رؤساء حكومات الحلف في نوفمبر 2010 في لشبونة. وكان أبرز الأفكار والتوجهات التي تضمنها التقرير: أنه في الفترة الممتدة منذ الآن وحتي عام 2020 سيتم اختبار الحلف من خلال ظهور مشكلات جديدة، والمطالب المتعددة للعمليات المعقدة، كذلك التحدي المتمثل في تنظيم الحلف لنفسه بكفاءة في عصر يتطلب الاستجابة السريعة في ظل ضيق الموارد. ومن ثم يحتاج الناتو إلي مفهوم إستراتيجي جديد ليواكب العالم الذي تغير بشكل ملحوظ منذ تبني المفهوم الحالي عام 9991؟ حيث تغير العالم بشكل كبير بعد أحداث 11 سبتمبر والهجمات التالية لها التي أثبتت الاتصال بين التكنولوجيا والإرهاب، والذي أدي إلي إبعاد قوات الحلف بعيدا عن الوطن كرد فعل علي تلك الهجمات. علاوة علي ذلك الضغوطات الكبيرة والمتزايدة التي يقع تحتها النظام العالمي لمنع انتشار الأسلحة النووية، وكذلك حوادث عدم الاستقرار الموجودة في أطراف أوروبا والتي أحيت التوترات التاريخية القديمة. أنه في التسعينات كان الهدف الأول والأساسي لحلف الناتو هو توحيد أوروبا وتحقيق حريتها، ولأول مرة اشترك الحلف في عمليات عسكرية لوضع حد لعمليات التطهير العسكري في البلقان. كما أن نهاية الحرب الباردة مكنت الحلف من إقامة شراكات مع خصومه السابقين بما فيهم روسيا. كان المفهوم الإستراتيجي للحلف الذي اعتمد في عام 1999 يتفق مع الاحتياجات الأمنية التي نشأت خلال العقد الأول من مرحلة ما بعد الحرب الباردة. كما عرضت الوثيقة مسبقا مجموعة من الأفكار التي تحققت اليوم وبالتالي يجب التأكيد عليها في مفهوم عام 2010 وهي كالآتي: الهدف الأساسي للحلف هو حماية أمن وحرية أعضائه سواء بالوسائل السياسية أو العسكرية يجسد الحلف الرابط العبر الأطلنطي الذي يربط بشكل دائم بين أمن أمريكا الشمالية وأمن أوروبا. أمن وحماية الحلفاء غير قابل للتجزئة: فأي هجوم علي دولة واحدة يعتبر هجوما علي الحلف ككل. إن التزام الحلف الأساسي والمنصوص عليه في المادة الخامسة من معاهدة شمال الأطلسي لم يتغير، ولكن متطلبات تحقيق هذا الالتزام هي التي أخذت شكلا مختلفا، فلكي يحتفظ التعهد بحماية الدول الأعضاء من أي اعتداء عسكري بمصداقيته يجب أن يتم دعمه ليس فقط بالقدرات العسكرية الأساسية ولكن أيضا من خلال التخطيط للطوارئ، والقوات المركزة، واستعداد القوة. إن احتمال أي هجوم عسكري مباشر علي الناتو عبر حدوده هو احتمال طفيف جدا، علي الأقل في المستقبل المنظور. ولكن بالرغم من ذلك فقد ثبت أن أقل التهديدات التقليدية للحلف يمكن أن تنشأ من بعيد، ومع ذلك تستطيع أن تؤثر علي الأمن في الداخل. هذه المخاطر تتضمن أسلحة الدمار الشامل، الهجمات الإرهابية، الجهود المبذولة من أجل إلحاق أضرار بالمجتمع من خلال الهجمات الالكترونية، والقطع الغير مشروع لخطوط الإمدادات الحيوية. وبما أن حلف الناتو هو الحل الوحيد لجميع المشكلات التي تؤثر علي الأمن العالمي فيجب أن تتضمن إستراتيجيته مبادئ توجيهية لاتخاذ القرار تتعلق بكيفية ومكان استخدام موارد الحلف خارج حدوده. ونظرا للطابع المتغير والمخاطر المتنوعة المتنامية التي باتت تهدد أمن الدول الأعضاء للحلف، فينبغي أن يقوم الحلفاء باستخدام المشاورات التقليدية وفقا للمادة الرابعة، والتي تبرز وظيفة الحلف ودوره كمجتمع سياسي، هذه المشاورات سيكون لها أهمية كبري في منع وإدارة الأزمات. كما تتضمن المفهوم الإستراتيجي الجديد للحلف عصر جديد من الشراكات، فالناتو لن يعمل لوحده وبالتالي أعطي موضوع الشراكات مساحة كبيرة في صياغة مفهومه الجديد، يجب أن يؤكد المفهوم الجديد للحلف كذلك علي رغبته في المساعدة علي بناء نظام أمني تعاوني أوروبي أطلسي يتضمن التعاون الأمني مع روسيا، ومع أخذ هذا المبدأ في الاعتبار يتعين علي الحلف انتهاج سياسة تعاون مع روسيا فيما يطمئن الحلف جميع أعضائه وحلفائه بحماية أمنهم ومصالحهم. فالشراكة بين الناتو وروسيا كانت وسيلة لتعزيز الأمن في المنطقة الأوروبية الأطلسية، وبالرغم من أن الحلف لا يشكل تهديدا عسكريا لروسيا، ولا يعتبر الحلف أن روسيا تمثل تهديدا عسكريا له، إلا أن الشكوك لا تزال قائمة في كلا الجانبين حول نوايا وسياسات الجانب الأخر. ومن الأمور التي يجب أن يضمنها المفهوم الجديد هو فتح باب العضوية، فمنذ نهاية الحرب الباردة، اتسعت عضوية حلف الناتو من 16 عضوا إلي 28. كذلك تعامل المفهوم الإستراتيجي الجديد مع سياسة الأسلحة النووية وأكد المفهوم الجديد أنه مادامت الأسلحة النووية موجودة يجب علي حلف الناتو مواصلة الحفاظ علي قوات نووية آمنة وموثوق بها. بالمقارنة مع عقده الأول، من المرجح أن يكون حلف الناتو بعيدا عن الصدارة في الشئون العالمية، في نفس الوقت سيكون علي الحلف إبقاء عينه علي المخاطر التي يمكن أن تنشأ بالقرب منه، مع الحفاظ علي تركيز بعيد النظر لمواجهة المخاطر التي يمكن أن تنشأ في أماكن بعيدة. كذلك أمن الأعضاء مسألة حتمية للناتو 2020 وكذلك المشاركة الحيوية خارج منطقة المعاهدة وذلك للعمل علي تقليل التهديدات. ويلاحظ المراقبون حرص مشروع المفهوم الإستراتيجي الجديد للحلف علي توضيح أن الحلف بأي حال لن يكون مسئولا عن أمن العالم بمعني أنه لن يكون شرطي العالم، وأنه من ناحية أخري فأن عمله في المناطق الخارجة عن نطاق الحلف سوف يكون وفقا لمبادئ الشرعية الدولية، رغم هذه التطمينات فأن الخبراء »راجع رغيد الصلح. الحياة 27 مايو« يتساءلون عما إذا كان مفهوم الحلف الجديد سيجعله بديلا عن أحادية الولاياتالمتحدة، ولنفي هذا التوقع فأن حماية الأمن والسلم في العالم يجب أن تكون مسئولية الأممالمتحدة وذلك يعد سد الثغرات في هياكلها وخاصة مجلس الأمن وإحياء الآليات التي تم تجميدها مثل اللجنة العسكرية التابعة لمجلس الأمن، وإنشاء بنية عسكرية متقدمة وفقا لما جاء في "أجندة السلام" التي قدمها الدكتور بطرس غالي عندما كان أمينا عاما للأمم المتحدة، فهذا هو البديل الدولي عن الأحلاف التي تزيد الأمور تعقيدا وتغذي الصراعات بين الشعوب. كاتب المقال: سفير سابق