ويتواصل الحديث حول الانتخابات السودانية، في الحلقة الاخيرة.. واقول ان الحكومة الحالية تضم ممثلين عن كل من الحزب الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان ولهما وزرائهما في الحكومة، ولكن ليس ذلك من قبيل توافق الرؤي بين الطرفين ولكن لأن اتفاقية نيفاشا لإحلال السلام في السودان كانت تنص علي ذلك والتزم بها الطرفان اللذان ينتقدان بعضهما بعضا في نفس الوقت. اذا تمكن الحزب من الفوز في الانتخابات وأيا كانت نتيجتها فإنه من المتوقع ان يشكل ذلك سودانا جديدا، فالرئيس البشير سيحصل علي شرعية دستورية لانه فاز في انتخابات حرة وعلنية راقبها مراقبون اجانب وهو ما سيقوي من مركزه امام اتهامات محكمة الجنايات الدولية التي تطلب مثوله امامها بتهمة ارتكاب جرائم الابادة في حق سكان دارفور. كما انه سيثبت ان شعب السودان يثق في سياسته وقيادته لامور البلاد، وقد يزيد ذلك من سلطته في التفاوض مع حركات التمرد في دارفور او في التعامل مع حكومة الجنوب المقبل غالبا علي الانفصال في الاستفتاء علي تقرير المصير »اما الانفصال او البقاء في سودان موحد« الذي سيجري في فبراير 1102 اي بعد مدة ليست طويلة، ايضا سيقوي مركزه امام الضغوط الدولية خاصة من جانب الولاياتالمتحدة التي فرضت عقوبات عديدة علي السودان تحت ضغط لوبي معادي للسودان مكون من اليمين الامريكي واللوبي الاسرائيلي وبعض اعضاء الكونجرس الامريكي. داخليا سيقابل الرئيس الجديد تحديات اخري غير تحدي احتمال انفصال جنوب السودان او فشل المفاوضات مع حركات التمرد في دارفور. ويتمثل ذلك في مدي سيطرة الحكومة المركزية في الخرطوم علي الولايات التي كانت العادة حتي الان ان يعين حكامها من قبل الخرطوم، والآن فإن هناك انتخابات لحكام الولايات تتزامن مع انتخابات الرئاسة والبرلمان.في التركيبة السودانية فإن انتخابات الولايات لها حساباتها التي تختلف عن حسابات انتخابات الرئاسة او البرلمان، اذا ان العنصر القبلي او الانتماء المحلي هما العنصران الهامان في هذه الانتخابات. سمعنا الرئيس البشير يقول انه سيكون اول من يقبل نتيجة استفتاء حق تقرير المصير للجنوبيين وسيعترف به، وقال الصادق المهدي المرشح الآخر للرئاسة ان سيعامل جنوب السودان كدولة صديقة. هل يعد كل ذلك تمهيدا لقبول الشعب السوداني لاحتمال انفصال الجنوب بدلا من أن يأتي الامر بمثابة الصاعقة المفاجئة عليه، اذ من الصعب جدا علي اي شعب ان يتقبل بسهولة انفصال جزء من دولته كما لو كان الامر عاديا لننتظر وسنري النتيجة. الرئيس البشير وحزبه لديهما نقطة هامة اخري يمكنها ان تجذب اصوات الشارع في السودان، وهي ان انفصال السودان يمكن ان يجر البلاد إلي الفوضي وانه من الافضل وجود حكومة قوية يرأسها البشير تستطيع السيطرة علي الامور نسبيا بالرغم من كل المآخذ عليها، اذا ان تواجد رئيس جديد ليس له خبرة او شعبية سيجر البلاد إلي فوضي شاملة يعاني منها الجميع. هذا فضلا عن انه يراهن علي ان منافسيه لايجمعهم هدف واحد سوي محاولة اسقاطه، وانه بعد الانتخابات سيتفرقون ويختلفون فيما بينهم. ان هذه الانتخابات لا تستحوذ علي اهتمام الشعب السوداني وحده ولكن أيضا القوي الدولية والإقليمية. أهم القوي الدولية الولاياتالمتحدة والي جانبها الدول الغربية »بريطانيا وفرنسا« والاتحاد الأوروبي . ومن القوي الاقليمية دول مثلا مصر وليبيا وكينيا وأوغندا وهي أهم الدول المجاورة التي تربطها حدود طويلة مع السودان ، الي جانب المنظمات الدولية مثل الاممالمتحدة والإقليمية مثل جامعة الدول العربية والاتحاد الافريقي. بالنسبة للمنظمات الدولية والإقليمية فان الأممالمتحدة لها مبعوثيها في السودان وبعضهم كان من الشخصيات التي دخلت في معارك مع الحكومة السودانية. وبالطبع فان مجلس الأمن يتلقي تقريرا شهريا من الأمين العام للأمم المتحدة عن الأوضاع في السودان. الأمين العام الحالي بانكي مون يساير عموما الدول الغربية في انتقاداتها ولكنة أثار ضجة مؤخرا عندما شارك في قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا وأعلن انه يأمل ان يؤدي الاستفتاء بين الجنوبيين في السودان إلي المحافظة علي وحده السودان. أضطر الي التراجع عن هذا التصريح عندما احتجت حكومة جنوب السودان وبعض الدول الغربية باعتبار انه يصادر علي حرية سكان الجنوب في اختيار مواقفهم. الاتحاد الافريقي من المنظمات النشطة إقليميا ولأول مرة يرسل الاتحاد قوة افريقية لا بأس بها الي دارفور كانت تعاني من مشاكل تمويلية وتنظيمية عديدة حتي تم ضمها الي قوة كبيرة مع الأممالمتحدة تحت اسم »القوة الهجين« اي المشتركة.. اصبح بند السودان من البنود التي تبحث بانتظام في اجتماعات مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الافريقي وايضا علي جدول أعمال القمم الأفريقية الدورية. وقد ادي تأييد بعض الدول الأفريقية للجنوب خاصة تلك المجاورة للسودان وفي الجنوب الإفريقي الي منع الرئيس البشير مرتين من رئاسة القمة الأفريقية بالرغم من ان الدور كان علي السودان. ولكن يذكر للاتحاد انه عبر بحزم عدة مرات عن رفضه لاتهامات المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس البشير. كما رأس رئيس جنوب أفريقيا السابق تابو مبيكي لجنة خاصة للاتحاد لتسوية الاوضاع في دارفور. الجامعة العربية أيضا موقفها نشط نسبيا خاصة في العام الاخير وقد رعت اجتماعا هاما لمجلس الجامعة في دارفور ودشنت عدة مشروعات هناك إضافة الي اجتماع في جوبا عاصمة الجنوب من اجل جذب الاستثمارات العربية الي جنوب السودان. والجامعة تنسق باستمرار مع الاتحاد الافريقي فيما يتعلق بالسودان. اما الدول العربية المجاورة للسودان وخاصة مصر وليبيا فان لها مصالح كبيرة في السودان ورعت الكثير من الاجتماعات الخاصة بدارفور والمفاوضات بين شمال وجنوب السودان. ومصر بالذات تعمل من اجل الحفاظ علي وحدة السودان ولها علاقات طيبة مع الخرطوموجنوب السودان في نفس الوقت وكذلك من اطراف العمل السياسي دون التحيز لطرف ضد آخر.كما ان لمصر قوات كبيرة ضمن عمليات حفظ السلام في دارفور وفي جنوب السودان. وأولت تنمية الجنوب اهمية خاصة ولها قنصلية عامة في جوبا وقامت بعمليات تنموية في جنوب السودان مثل انشاء عدة محطات لتوليد الكهرباء.وستفتح فرعا لجامعة الإسكندرية هناك الي جانب تقديم عشرات المنح الدراسية لأبناء الجنوب إلخ... كل هذه الأطراف ستراقب العملية الانتخابية في السودان عن كثب.