جلال دويدار اختار المجلس الأعلي للقوات المسلحة - وليس الجيش- أن يكون في موقف المتفرج المتواطئ مع توجهات جماعة الاخوان المسلمين دون أي اعتبار للنتائج المدمرة التي يمكن ان تلحق بالوطن ومستقبله. تم تبني هذه الاستراتيجية المتعمدة بعد سقوط النظام السابق- بفعل ثورة 52 يناير. تمثل في اطلاق يد الإخوان المسلمين وتابعيهم في اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للاستيلاء علي حكم مصر ليكونوا بديلا للحزب الوطني. استندت هذه الخطة علي برنامج ممنهج لاقصاء كل التيارات الوطنية الأخري واتخاذ جميع الترتيبات لتهميش دورها بما يحرمها من أي مساهمة ايجابية في بناء دولة ما بعد الثورة. تركز الهدف في الاعتماد علي الاخوان باعتبارهم الفصيل الذي يملك امكانات علي الارض علنية وسرية. حدث هذا رغم ان الاخوان لحقوا بالثورة بعد أيام من اندلاعها وبعد الاطمئنان الكامل إلي نجاحها خاصة بعد اتخاذ المجلس الاعلي للقوات المسلحة موقف الحياد من الاحداث. كان كل ما يهمهم هو تجنب التعرض لاي أذي في حالة الفشل وتمكن النظام السابق من استعادة السيطرة. كان ذلك واضحا تماما في السكوت علي دور الإخوان في مهاجمة السجون والإفراج عن مسجوني حماس وحزب الله وتهريبهم إلي بيروت وغزة. جري ذلك في الوقت الذي اسندت للجيش مسئولية إدارة شئون البلاد وحفظ الأمن بعد انهيار الشرطة بفعل فاعل.. وتوالت المبادرات الودودة تجاه الجماعة باطلاق سراح المحبوسين علي ذمة التحقيقات والعفو عن المتهمين في قضايا جنائية والمتورطين في اغتيال رئيس مصر الراحل أنور السادات. وشارك الاعلام للأسف الشديد- عملاً بمبدأ السير في الجنازات حتي يشبع فيها لطما. هذا الموقف ساهم فيما وصلنا اليه الآن وكذلك الانحياز للشعار الذي كان يتبناه دائما دون فكر أو وعي أو توجه وطني.. هلل للفتن والفوضي وشجع الانفلات الامني. وحّول المجرمين الي ابطال. من ناحية أخري كان المجلس وراء ما جري قبل وبعد الاستفتاء علي الاعلان الدستوري الذي جنح عن عمد إلي عدم التدخل لاعادة التوازن المفقود ووضع البلاد علي الطريق الصحيح الذي يقود إلي الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي افتقدناه. إمعانا في هذا المخطط كانت المظاهر والسلوكيات تشير إلي أن هناك رغبة في التجاوب مع كل ما يريده الإخوان والعمل علي ان يكون كل شئ تحت أيديهم. من ناحية أخري في هذا الاطار اعتقد ان عملية الاعلان عن عقوبة النادي المصري علي مجزرة استاده كانت متعمدة في توقيتها للتغطية علي عملية طبخ تشكيل لجنة اعداد الدستور الدائم لمصر الذي من المفروض ان يعكس آراء ووجهات نظر كل التيارات السياسية والوطنية دون هيمنة احد وفقا لما يجري بكل الدساتير في الدنيا. ان ما جري ويجري ولا جدال خطير خطير ولا علاقة له بالديمقراطية التي تمنيناها. علي ضوء ما يجري فان الشيء المؤكد انه سيكون للشعب موقف آخر سواء حاليا أو مستقبلا خاصة بعد أن شعر بمرارة الاختيار والتي استندت الي التربص والمال والحرفية وأُستغلت فيها الميول الاسلامية المتأصلة في الشعب المصري.. ان ما شهدته مصر من اخطاء متعمدة أو غير متعمدة لتحقيق مصالح تيار بعينه لابد وان يفتح شهيته الي المزيد من التنازلات والمكاسب.. هذا يتمثل حاليا في محاولة تمرد جماعة الاخوان المسلمين علي المجلس العسكري والتهجم عليه- سلوك متأصل في تاريخها- »واللي يلاقي دلع وما يدلعش يبقي....«..؟! ما يجب ان يقال انه ليس مقبولا بأي حال ان يصبح مستقبل مصر بتاريخها وعراقتها ومقدرات شعبها مرهونا بمخططات جماعة أو تيار مهما كانت فتنة المظاهر الخدّاعة »وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ«.