يبدو من سير الأحداث وتطوراتها ان ما يجري في مصر ومنذ الاطمئنان الي نجاح ثورة شباب 25 يناير ان مصر اصبحت محكومة بشكل التحرك السياسي التي كانت تتبناها الايدلوجية الشيوعية. هذه الاستراتيجية تقوم علي تقسيم مخطط الاستيلاء والهيمنة علي شئون الحكم من خلال تحريك التنظيمات التي تعمل معظمها في السر والعلن وعلي مراحل. في هذا المجال لا يتم الانتقال من مرحلة الي الاخري الا بعد التمكن من استكمال كل مرحلة بعد اتخاذ الترتيبات اللازمة سواء بالاعمال الذاتية أو بالتعاون مع قوي اخري بالخداع والتضليل والاستقطاب. ورغم التضاد بين النظرية الشيوعية وبين مخططات تيارات التطرف الاسلامي الا ان الدلائل اكدت ان هناك تطابقا بينهما تشير الي التوافق للأخذ بالنظرية الميكافيلية القائمة علي ان الغاية تبرر الوسيلة. هذه الحقيقة تكشفها وتفضحها الخطوات التي تم اتخاذها علي الساحة السياسية المصرية منذ قيام ثورة 25 يناير وحتي وصول التيار الاسلامي بقيادة جماعة الاخوان المسلمين الي حكم مصر دولة الاسلام الوسطي القائمة علي امتزاج الحضارات والعرقيات والديانات والمدعومة بالموقع الجغرافي الفريد بين القارات. في هذا الاطار لا يستطيع أحد ان ينكر علي الشعب المصري تمسكه باسلاميته المتسامحة التي فتحت ذراعيها دوما لكل الاديان لممارسة شعائرها بكل الحرية والمساواة والالتزام بمصالح الوطن وقيم المواطنة. المرحلة الاولي لهذه التحركات تجسدت بنجاح في ان تجد الجماعة مكانا لها في الثورة بعد ان أوضحت التطورات المتسارعة اقتراب النظام السابق من السقوط. الدليل علي هذه الحقيقة تلك التعليمات التي كانت قد تم توجيهها الي اعضاء الجماعة في الايام الاولي للثورة بعدم النزول الي الشارع او المشاركة في احداثها توقعا للفشل وكذلك حرصا من جانبهم علي عدم اعطاء الفرصة لزيادة عمليات البطش بهم. وعلي ضوء الاطمئنان الي نجاح الثورة بظهور بوادر استسلام النظام السابق لها بعد فشل وانهيار جهاز الشرطة في عملية المواجهة. ونتيجة لجنوح الجيش من خلال مجلسه الاعلي الي اتخاذ موقف الحياد.. صدرت التعليمات بنزول كوادر الاخوان الي ميدان التحرير للسيطرة علي مجريات الامور بأي وسيلة. وكان للتجاوب الذي ابداه المجلس العسكري بعد أن أسندت اليه سلطة ادارة شئون البلاد تجاه الجماعة بالافراج عن عناصرها والسماح لها بممارسة انشطتها علانية.. ايذانا بنجاح المرحلة الاولي. وجاءت المرحلة الثانية بعد ذلك في صورة تشكيل لجنة اعداد الاعلان الدستوري والاستفتاء عليه والتي غلب عليها الطابع الاخواني.. وفي هذا المشروع المريب تم الاخذ بوجهة نظر الجماعة الداعية الي اجراء الانتخابات التشريعية قبل اعداد الدستور بزعم ان هذه الخطوة ستؤدي الي الاستقرار وعودة الحياة الطبيعية الغائبة. كان الهدف من وراء هذه الخطوة السيطرة علي مجلس الشعب علي أساس ضمان ان تكون اللجنة التأسيسية التي ستقوم باعداد الدستور الدائم من اعضائه. وفي اطار هذا المخطط تم الترويج للادعاء الكاذب بأن ما تتطلع اليه الجماعة التي كانت تنفرد بالتنظيم والتواجد في الشارع هو الحصول علي 25٪ فقط من عدد مقاعد مجلس الشعب.. ولكن الذي حدث هو حصول التيارات الاسلامية علي ما يفوق ال50٪ اعضاء مجلس الشعب!! وفي المرحلة الثالثة توالت عمليات الخداع من خلال الادعاء بأنه لن يكون للاخوان مرشح لرئاسة الجمهورية لتظهر بعد ذلك ظاهرة المرشح التوافقي ولكن نتيجة للرفض الشعبي لهذه الفكرة الاخوانية تغير الموقف في اتجاه المساومة والتفاوض لاختيار مرشح يقبل بشروطهم ويكون تحت سيطرتهم. وبدأت تطفو علي السطح اخبار في شكل انابيب اختبار تقول ان الجماعة ستحدد المرشح الذي سيحظي بتأييدها قبل اغلاق باب الترشيح لمنصب الرئاسة بيوم او يومين وهو ما يعني انه سوف يكون لهم مرشح للرئاسة علي عكس ما كانوا يقولون. اما المرحلة الرابعة فقد كانت تتعلق بتشكيل الحكومة حيث أعلنوا انهم ورغم حصولهم علي الأغلبية في مجلس الشعب فانهم لن يقوموا بتشكيل الحكومة.. وفي هذه الايام نجدهم ينقضون ما تعهدوا به ليعلنوا عن نيتهم اسقاط حكومة الجنزوري وان يتولوا هم تشكيل الحكومة. وجاءت الصدمة من خلال الاعلان الدستوري الذي يقصر حق اجراء أي تشكيل وزاري علي المجلس الاعلي في هذه المرحلة. وسط هذا اللغط والتخبط وعدم التوازن وتغييب من أوكلت اليهم امانة قيادة مصر الي بر الامان تخطط الجماعة »لكروتة« عملية تشكيل اللجنة التأسيسية لاعداد الدستور لتكون لها السيطرة عليها سواء من خلال اعضائها المعينين من داخل الشعب والشوري أو من الخارج.. وبذلك تكون قد تمكنت من اتمام مخططها الذي استهدف علي طول تاريخها الاستيلاء علي الحكم واتمام أكبر عملية اقصاء لكل العناصر والاتجاهات الحقيقية التي كانت وراء ثورة 25 يناير.. وبالرفاء والبنين!