د. جمال زهران - رئىس قسم العلوم السىاسىة - جامعة بورسعىد صحيح اننا سرنا - بأمر المهيمنين الي حد التسلط، وبأمر المجلس العسكري وصفقته السياسية مع جماعة الاخوان المسلمين - في »المسار اللاثوري« والذي يتعارض كلية مع »المسار الثوري« الذي كان يقضي فيما يجب ان يقضي به عقب ثورة 25 يناير، بضرورة بل وحتمية الاسقاط الثوري للدستور وليس مجرد تعليقه، وانتخاب الهيئة التأسيسية لاعداد دستور جديد للبلاد يتواءم مع مقتضيات الثورة. ولأننا اصبحنا »الاغلبية المقهورة« في مواجهة الاقلية المسيطرة بل والمتسلطة امتدادا لنظام مبارك الذي جثم علي انفاسنا ثلاثين عاما متصلة، فاننا نري ان ما يتم في هذا المسار اللاثوري، هو من الامور العارضة وسبيلها الي الزوال قريبا بالجملة والذي لا يريد ان يري هذه الحقيقة، فليرجع الي كتب وتاريخ الثورات الكبري وكيفية ادارة فتراتها الانتقالية، او فليتعلم من ادارة الشعب التونسي صاحب اول ثورة في الربيع العربي »ديسمبر 2010 - يناير 2011« والصحيح ايضا انه تم ادماجنا قهريا في المسار اللاثوري، الذي عبروا عنه بالانتخابات اولا بدلا من الدستور اولا، فأضاعوا علي البلاد فرصة الاستقرار الحقيقي واتاحوا الفرصة للصوص والحرامية من تهريب اموالهم والاستقواء مرة اخري والسيطرة علي اغلب الاعلام باموال الشعب المنهوبة في عملية غسيل اموال قذرة، لم يستطع احد من السلطة الحاكمة ان يوقفها ويبدو ان التشارك والتداخل قائم والمصالح المشتركة والمتبادلة امر علي ما يبدو مفروغ منه. فالذي يقبل ان يعمل ويستمر في اي موقع علي نظام مبارك وقواعده في السلب والنهب والفساد وتخريب الوطن، فهو شريك اساسي في دعم واعادة انتاج هذا النظام المستبد والفاسد بكل المعايير، ولا عذر لاحد بانه قبل هذا او ذاك لمحاولة انقاذ الوطن، وان راكبي موجة الثورة الي زوال، وسيبقي الثوار الحقيقيون باذن الله. تلك هي مقدمة هامة قبل الدخول في الموضوع الذي يشغل بال الجميع الان وارادوا ايضا ان يتوازي الحديث فيه مع انتخابات رئاسية فارغة المضمون والاختصاصات وعلي نفس نظام مبارك، حتي يتم اعداد دستور فيه رائحة مشتركة بين نظام مبارك وجماعات الاسلام السياسي بقيادة الاخوان، وذلك في الخفاء والناس مشغولون ومن خلف ظهر الشعب وهي جريمة سياسية جديدة تضاف الي رصيد المجلس العسكري الذي لا هدف له سوي استمرار نظام مبارك وسياساته باعتباره انه مرتبط بهذا النظام ومصالحه وتشابكاته وسياساته ومن يراهن علي غير ذلك. اذن نحن امام عدة حقائق: 1- انه يجري اشغال الناس والشعب عن الدستور، بانتخابات رئاسية وهمية. 2- انه يجري اعداد دستور في الخفاء من وراء ظهر الشعب وهو دستور مسلوق وبغير ارادة الشعب، والاستعجال يؤكد ذلك. 3- خلق مؤسسات وقواعد حكم وسلطات ودستور، لتصبح امرا واقعا علينا ابتلاعه والتعامل معه وقبوله، وهو في الاصل يستهدف اجهاض الثورة، لان كل هذا يتم علي خلفية نظام مبارك ويكفي القول ان مؤسسة مجلس الشوري رفضها الشعب وانتخبت بمتوسط حضور 5٪ ولها علي الاقل سلطة امتلاك ارادة الاعلام واجهزته فأين هي شرعيته الا باعتباره احد مؤسسات مبارك والدستور القديم. ومع ذلك فانني اوضح بشأن اعداد الدستور عددا من النقاط الهادفة: 1- ان المادة المنشئة للجنة اعداد الدستور وهي رقم »60« تنص علي يجتمع الاعضاء غير المعينين لاول مجلسي شعب وشوري في اجتماع مشترك بدعوة من المجلس الاعلي للقوات المسلحة، خلال ستة اشهر من انتخابهم، لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو، تتولي اعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة اشهر من تاريخ تشكيلها..... الخ 2- ان المادة الموضحة تؤكد علي عدة مبادئ هي: أ- وظيفة مجلسي الشعب والشوري هي انتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو لاعداد مشروع الدستور الجديد وبالتالي ليست من وظيفة المجلس تعيين او اختيار الجمعية. ب- ان المجلسين مطالبان بان يضعا القواعد المنظمة لعملية انتخاب اللجنة وهي اشارة للاصل بان اللجنة المختصة باعداد الدستور يجب ان تكون منتخبة وفقا للشروط المتفق عليها والمتوافقة مع المهمة الوطنية لها وهي اعداد دستور البلاد. ج - ان المجلسين عليهما مهمة انتخبهما الشعب من اجلها وهي لجنة المائة ومن ثم اصبحت وظيفتها السياسية هي ممارسة دور المنظم والناخب لهذه اللجنة وليس المرشح للمشاركة فيها. د- ان المجلسين مطالبان بعد وضع القواعد اللازمة وشروط الترشيح لهذه اللجنة ان يتم فتح باب الترشح لمن تنطبق عليهم الشروط ثم يقوم المجلسان بانتخاب المائة من بين المتقدمين ومن ثم ليس من حق المجلسين الحجر علي اي مواطن تنطبق عليه الشروط من التقدم، كما انه ليس من حقهما احتكار العملية واختزالها في اختيار اي اعضاء في لجنة المائة. 3- ان قيام المجلسين الان تحت سيطرة الاسلام السياسي بزعامة الاخوان المسلمين بعد احتكارهما لمنصبي رئيسي مجلسي الشعب والشوري معا باختزال عملية انتخاب لجنة المائة في نسب المشاركين من داخل المجلسين ومن خارجهما هي جريمة سياسية تتعارض مع مبادئ نص المادة 60 من الاعلان الدستوري كما سبق الايضاح. 4- ان اصرار المجلسين بموازين القوي المهيمن عليها باغلبية الاسلام السياسي علي اختيار لجنة توافقية تحت سيطرتهم هو من قبيل السيطرة علي اعداد دستور البلاد بالاغلبية وهو امر يتعارض مع نص المادة »60« ويتعارض ايضا مع فكرة الحضور الشعبي الكامل في عملية اعداد الدستور، وهم بالتالي يصرون بسلاح الاغلبية التي صنعها نظام انتخابي فاسد وغير دستوري علي احتكار عملية اعداد الدستور. 5- انه بحكم ان وظيفة المجلسين انتخاب اللجنة وممارسة دور الناخب لا يجوز لاحد ان يترشح للجنة من اعضاء مجلسي الشعب والشوري لمن تنطبق عليهم الشروط بعد وضعها والموافقة عليها، الا اذا استقال من المجلسين ولذلك فالرأي الراجح هو ان يكون اعضاء اللجنة من خارج المجلسين نهائيا وهو امر حاسم وصدق د. ابراهيم درويش الفقيه الدستوري بالقول ان اشتراك المجلسين او احدهما لا يتم الا في الانقلابات!! وبغض النظر عن الدعاوي المرفوعة لعدم دستورية بل وبطلان مجلسي الشعب والشوري والتي احيلت الي الدستورية العليا استنادا الي فساد قانون الانتخابات والنظام الانتخابي فان الاصل هو ان الدستور يخلق المؤسسات وليس العكس وهي قاعدة دستورية وسياسية اصيلة لا يجوز الخروج عنها ولا يوجد مثال واحد لما يتم فعله في مصر الان وما يجري هو عبث سياسي امتدادا لمسار اللاثوري علي حساب المسار الثوري فلا يجوز ان تقدم مصر الثورة نموذجا سيئا للتجربة الانسانية، وهي فاشلة اصلا من البداية وحتي الان. فاذا اردنا انقاذ ما يمكن انقاذه في المسار اللاثوري ان نبدأ بوضع قواعد الترشح للجنة ثم انتخاب لجنة المائة من خارج المجلسين، ويترك فرصة الاشهر الست الي سنة لاعداد دستور محترم لحاضر ومستقبل الوطن بعد ثورة 25 يناير والا فالكارثة قادمة لا محالة ولا زال الحوار مستمرا.