ربما يوحي عنوان مسرحية لينين الرملي " في بيتنا شبح " بأجواء العفاريت وإن كان الأمر يبدو كذلك فيما يجري حولنا مثل أحداث بورسعيد ومحمد محمود ومجلس الوزراء حينما تظهر العفاريت لتقتل الناس ثم تختفي فجأة وبسذاجة نوجه الاتهام إلي الطرف الثالث أو اللهو الخفي حتي أصبحت الحكاية مجرد نكتة نرددها كل يوم.. ورغم أن المؤلف ينفي أنه كتب مسرحيته في 2011 وإنما كتبها في مايو 2005 وأن فكرتها كانت في شهر يونيو 1993 الا أن الأحداث التي نراها علي خشبة المسرح تشير إلي ما يجري الآن في الشارع المصري . " في بيتنا شبح" مسرحية أعادتنا إلي زمن المسرح الجميل المحترم عندما كنا نضحك بملء الفم بدون إسفاف أو لفظ قبيح ولا تملك الا أن تقول " الله علي هذا الجمال ".. الأحداث تدور في منزل قديم ببلدة متطرفة الموقع حينما أوصي الجد بتقسيم تركته علي أبنائه وأقاربه وهم مختلفو المزاج والهوية.. منهم رجل الأعمال الذي يحلم بهدم المنزل وتحويله إلي ناطحة سحاب ليجني من ورائه ثروة يسدد منها ديونه للبنوك.. والآخر الذي يتمسح في رداء الدين بينما يبحث عن طريقة يستولي بها علي البيت وزوجته التي لا هم لها الا التفكير في الجنس.. والحفيدة التي تفكر في الزواج وتكاليفه الكبيرة والشاب الذي لا يعبأ بالحياة.. وكذلك الحفيد المثقف الذي لا يدلي برأي محدد في كل القضايا ويمسك بالعصا من النصف مع شقيقه الذي تنتابه حالة عصبية.. وهناك الشاب الذي لا يعترف الا بالعلم " منصور" فهو يؤكد طوال العرض أنه لا وجود للأشباح في حياتنا وإنما هناك من يرتكب تلك الأفعال بقصد ليبث الرعب في نفوس الاخرين ليتركوا البيت . هذا الأجواء المقصودة في النص المسرحي توحي بوجود أشباح بينما محامي الجد يظهر في الأحداث وكأنه هو المخطط لها.. أما الخادم الطيب المنحني الظهر طوال العرض فهو شخصية غريبة الأطوار.. في هذا الجو يصاب المتفرج بالحيرة فهو لا يستطيع توجيه الاتهام إلي شخص بعينه فكل الشخوص متهمة بينما يظهر " اللهو الخفي " بين الحين والآخر.. وبعيدا عن التفسيرات الدرامية للشخوص تبدو أمامنا مصر التي يتصارع عليها الجميع.. من يريد بيعها ومن يريد رهنها ومن يريد حمايتها من الأعداء.. هكذا كانت رؤيتي للعرض الذي يجعلني أطالب وزير الثقافة الذي لا يهتم بالرد علي الكتاب والصحفيين بالتعجيل في مشروع ترميم المسرح القومي ليعود يقدم عروضه التي تعد من " ريبوتوار" المسرح المصري.. ومن واجبي أن أشكر الفنان خالد الدهبي مدير المسرح القومي الذي أحييه علي أول إنتاج للمسرح القومي في عهده بهذه الروعة . المخرج عصام السيد.. لا يحتاج إلي الحديث عنه فهو من كبار مخرجي المسرح في العالم العربي وهو صاحب عرضي" أهلا يابكوات" الأول والثاني مع لينين الرملي وعروض أخري كثيرة من علامات مسرحنا . أما عن التمثيل فالكل نجوم علي المسرح.. ماجد الكدواني وأشرف عبد الغفور وسامي مغاوري وسلوي عثمان وأميرة عبد الرحمن وكمال سليمان وحمدي حسن ومحمد رضوان ووصال عبد العزيز وياسر الطوبجي وبيومي فؤاد والسيد هنداوي.. وكل التقدير لمصمم الديكور حازم شبل الذي أوجد حلولا سحرية مع الكتل الضخمة علي المسرح وملابس نعيمة عجمي موفقة إلي حد بعيد لكل الشخصيات مع إضاءة عاصم البدوي المتميزة دوما والموسيقي التي أبدعها أحمد شعتوت كانت مناسبة وملائمة للعرض .. شكرا لكل هؤلاء فقد أمتعونا دون ابتذال ولهث وراء الضحكة التي عادت الينا في قاعة المسرح .