الضجة المثارة حول تشكيل اللجنة التأسيسية لإعداد دستور جديد، لا ينبغي أن تتحول إلي غزوة أو معركة يخرج منها منتصر ومهزوم أو فائز وخاسر.. فالمشروع الذي نحن بصدده ينبغي أن يحتوي الجميع. لقد أصبحت مصر علي مشارف رحلة جديدة وصار برلمانها مطالبا بإعداد دستور جديد عن طريق انتخاب جمعية تأسيسية تعبر عن جميع أطياف المجتمع المصري وليس فقط أحزابه، دون إقصاء لأي فريق منها، بل يخرج الجميع بدستور توافقي يجمع شمل كل الفرق ولا يعلي فريقا بعينه تبعا لمرجعية الأغلبية التي يتمتع بها تيار بعينه تحت قبة البرلمان، فالأغلبية هي التي تشكل الحكومات لكنها لا تكتب الدستور. اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية يجب أن يخضع لمعيار التخصص والكفاءة وتمثيل أطياف المجتمع وليس أحزابه، وأن تعطي الفرصة الأكبر للاختيار من خارج البرلمان حتي نضمن تمثيلا حقيقيا لكل أطياف المجتمع، خاصة أن البرلمان بتشكيله الحالي يضم أغلبية ذات مرجعية إسلامية تصل إلي 57٪ من النواب، تمثيل العمال والفلاحين الحقيقيين لا تصل بحال من الأحوال إلي 52٪، علما بأن الإعلان الدستوري الحالي ينص علي نسبة العمال والفلاحين 05٪ علي الأقل، ويرجع انخفاض التمثيل الحقيقي إلي اغتصاب نسبة كبيرة من نسبة العمال والفلاحين فلا هم بعمال ولا فلاحين ولكن أصحاب حيازة.. فأين التمثيل الحقيقي للعمال والفلاحين؟ ومن يمثلهم في اللجنة التأسيسية؟! تمثيل المرأة في البرلمان لا يقارن علي الإطلاق بنسبة المرأة في المجتمع ب 05٪ وكان إقبال ومشاركة المرأة في التصويت في بعض اللجان تفوق نسبة ال 05٪ متفوقة علي نسبة تصويت الرجال ومع ذلك لم تستطع بعد كل هذا الجهد والمشاركة سوي تسع نائبات فقط وصلن تحت قبة مجلس الشعب إضافة إلي نائبتين بالتعيين.. هل هذه النسبة تمثل نصف المجتمع.. من يتحدث باسم المرأة المصرية في اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور؟! المفروض ان الشباب يمثل من 06 إلي 56٪ من المجتمع المصري وقد شارك الشباب بدور رائع في ثورة 52 يناير، ومع ذلك فإن نسبة النواب الشباب تحت القبة لا تماثل ولا تقترب من تمثيلهم الحقيقي في المجتمع بصورة واضحة، فمن يضع آمال وطموحات الشباب أصحاب الحاضر وكل المستقبل؟! وإذا كانت الانتخابات البرلمانية بنظام القائمة قد فشلت في حجز مقاعد للمرأة والشباب والعمال والفلاحين الحقيقيين، فإنها قد سجلت فشلا كبيرا قد يكون مقصودا أو غير مقصود في تمثيل واضح للأقباط، إلي جانب أن هناك فئات وأطياف كثيرة من المجتمع المصري لم تستطع الوصول إلي البرلمان لأسباب كثيرة منها صعوبة خوض الانتخابات، خاصة المرأة والشباب وبعض فئات المجتمع، إضافة إلي حسابات الأحزاب الانتخابية لضمان حصد أكبر عدد من المقاعد تحت قبة البرلمان. الإعلان الدستوري وفي المادة (06) منه ينص علي أن اللجنة التأسيسية المكونة من مائة عضو لوضع الدستور إنما ينتخبها الأعضاء المنتخبون فقط من مجلسي الشعب والشوري وهذا الإعلان الدستوري قد وافق عليه الشعب بأغلبية كبيرة.. فإننا نخشي علي الأغلبية البرلمانية ان تختار غالبية أعضاء لجنة المائة ممن ينتمون إلي نفس المرجعيات فيخرج الدستور معبرا علي الأغلبية وليس توافقيا. لو أن نسبة تمثيل أعضاء البرلمان في اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور قلت عن 04٪ كما يطالب أعضاء البرلمان لكان ذلك أفضل كثيرا، وذلك لكي نفسح المجال لكي تضم اللجنة أعضاء من الهيئات القضائية، المحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة ومحكمة النقض وهيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية وأن يشارك في عضوية اللجنة أساتذة الجامعات، وأعضاء يمثلون النقابات المهنية والنقابات العمالية والفلاحين والاتحادات المستقلة والجمعيات الأهلية والمجتمع المدني والأزهر والكنائس المصرية والقوات المسلحة والشرطة والاتحادات الرياضية واتحادات الطلاب الجامعية والغرف التجارية ورجال الأعمال وعدد من الشخصيات العامة المشهود لها بالنزاهة والتوافق، وضرورة أن يكون من بين أعضاء الجمعية التأسيسية عشر سيدات علي الأقل وعدد من الشباب الذين تقل أعمارهم عن الخامسة والثلاثين. ومن المفروض ان يبتعد مشروع الدستور الجديد عن أي نص يتعارض معش المقومات الأساسية للدولة والمجتمع المصري، سواء ما يتعلق بالهوية المصرية العربية أو بالمواطنة والحقوق والحريات العامة التي استقرت عليها الدساتير المصرية المتعاقبة. ان يخرج مشروع الدستور الجديد بما يطمئن التخوفات المثارة من تحقيق انتصار للتيار الذي حقق أغلبية برلمانية، بل يخرج المشروع محققا لكل طموحات وآمال الأقلية والأغلبية.. نريد دستورا يؤكد علي تحقيق الانسجام مع واقع التعددية الحزبية والحرية الاقتصادية التي تفتح الباب أمام مبادرات رأس المال الخاص للمساهمة في مسيرة التنمية، دستور يحقق التوازن بين سلطات الدولة المختلفة وبين المواطنين، دستور ينهي التخوف والقلق لدي البعض علي مستقبل الحالة المدنية المصرية بسبب المادة الثانية من دستور 17 المعدلة عام 0891 والتي تنص علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع معتبرين ان هذه المادة يمكن ان تثير مخاوف الأخوة الأقباط، علما بأن هذه المخاوف لم يثرها الأقباط وإنما يثيرها بعض ممثلي جمعيات المجتمع المدني. ان هذا التخوف مردود عليه بالمادة الأولي التي تسبق المادة الثانية وتنص في صياغتها علي ان جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم علي وحدتها الشاملة.. إذن فمبدأ المواطنة يسبق النص علي أن الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع وهذا معناه انها ليست المصدر الوحيد للتشريع مما يسقط دعاوي المتخوفين من الدولة الدينية. وهذه التطمينات مرجعها ان الفصول الأربعة الأولي والأساسية من الدستور عليها توافق سياسي، لكن لم يرد ما يطمئن بشأن النص علي مدنية الدولة وحق غير المسلمين في الاحتكام إلي شرائعهم في الأحوال الشخصية، وأعتقد ان الشق الثاني عليه توافق تام. وأن ينص علي حق المواطنين في تكوين الأحزاب السياسية وفقا للقانون، ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية علي أية مرجعية دينية أو أساس ديني أو بناء علي التفرقة بسبب الجنس أو الأصل وهذا يكون تأكيدا علي مبدأ المواطنة وحماية واضحة لهذا المبدأ. نريد دستورا ينهي إلي الأبد تخليق أو تصنيع فرعون جديد بتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومجلس الشعب. وحسم وتحديد النظام السياسي للدولة وهل سيتم الإبقاء علي النظام الرئاسي أم تفعيل النظام الرئاسي البرلماني المختلط. ينبغي أن ينص مشروع الدستور الجديد علي ترسيخ مبدأ التعددية السياسية وإعطاء فرصة جديدة حتي تترسخ التجربة الديمقراطية، وتنظيم التوازن بين الحكومة والمعارضة، كما يجب أن يحقق مشروع الدستور الجديد التوازن بين سلطات الدولة المختلفة وبين مجلسي الشعب والشوري، وأول ضوابط هذا التنظيم هو الحد من بعض سلطات رئيس الجمهورية، وكذلك تحديد اختصاصات نائب الرئيس أو رئيس مجلس الوزراء لسلطات رئيس الجمهورية إذا قام مانع مؤقت يحول بينه وبين مباشرة اختصاصاته. ويجب أن ينص مشروع الدستور الجديد علي تحديد وتدعيم اختصاصات مجلس الشوري وإعطائه دوراً تشريعيا ليصبح شريكا حقيقيا لمجلس الشعب في العديد من المهام من بينها اقتراحات تعديل الدستور ومشروعات القوانين المكملة للدستور والمعاهدات الدولية ومشروعات القوانين التي يحيلها رئيس الجمهورية، وإذا حدث خلاف بين المجلسين يعرض الأمر علي اجتماع مشترك بين المجلسين برئاسة رئيس مجلس الشعب. هذه المقترحات تقدم دفعة قوية للديمقراطية في مصر ونستطيع بعد الاستفتاء عليها وإقرارها من الشعب ان نقول إننا أصبح لدينا دستور يليق بمصر وتاريخها، وأن الممارسة ونية الالتزام بالديمقراطية روحا وسلوكا أهم من الحصول علي نصوص لا يتم العمل بها.