هل كان المطلوب من مصر أن تغمض عيونها عن التدخل الأمريكي في شئونها الداخلية.. من خلال التمويل الخارجي لمنظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية؟ وهل كان المفروض ان تتغاضي مصر عن النشاط المشبوه الذي تقوم به منظمات أمريكية غير مرخص لها بالعمل وتقوم بإنفاق ملايين الدولارات بدون محاسبة وتوجهها لأغراض غير معلنة وأهداف خفية؟ وكذا هل كان المطلوب ان تخضع مصر للتهديد بقطع المعونات الأمريكية - والعسكرية 3.1 مليار دولار وهو ما يتطلب وقفة مع الصديق؟ تخطيء واشنطن إذا ما تصورت ان مصر يمكن ان تتراجع عن إجراءاتها القانونية فيما يتعلق بالتمويل الخارجي لمنظمات المجتمع المدني - ومن وراء ظهرها - والمنظمات الأمريكية غير المرخص لها بمزاولة نشاطها.. وتخطيء أكثر وأكثر إذا مارست ضغوطا بالمساعدات الأمريكية لمصر كما حدث في فترة سابقة للحصول علي مطالب معينة تدخل في صميم السيادة المصرية وخاصة فيما يتعلق بالمتهمين الأمريكيين الذين شملهتم التحقيقات.. وقد ضبطت لجنة التحقيق في مقر جمعية »سهم الثقة« - أول أبريل الأمريكية - خرائط مفصلة لمصر وظهر عليها تدخل بالانجليزية وبخط اليد وبرموز خاصة لتقسيم الدولة »مصر« إلي أربع مناطق.. وكما عثر داخل المقر علي خرائط بمواقع الكنائس، وتقارير رصد مواقع القوات المسلحة في الاسماعيلية والسويس: ماذا يعني ذلك وهل يدخل في اطار نشاط نشر الديمقراطية؟ ولابد من وقفة امام نتائج التحقيقات في تلك القضية وما ترصده من حقائق تمس العلاقات المصرية الامريكية. 1- المنظمات الأمريكية المتهمة - وهي المعهد الجمهوري والمعهد الديمقراطي وبيت الحرية »فريدوم هاوس« - تقدمت بطلبات لتراخيص عملها رسميا منذ عام 2005 ولم تتم الموافقة علي طلباتها، وبرغم ذلك باشرت النشاط بطريقة غير شرعية، وكان النشاط سياسيا ولا صلة له بالعمل المجتمعي أو الخيري كما ان العاملين فيها من الاجانب لم يحصلوا علي تصريحات عمل قانونية.. وهناك أيضا جمعية الدبدوب الدولي والمركز الصحفي الدولي الأمريكي. 2- حجم التمويل الذي تلقته تلك المنظمات الامريكية في الفترة من مارس وإلي ديسمبر بلغ 54 مليون دولار.. وبينما بلغ التمويل الخاص بالمنظمات المصرية الجاري التحقيق معها 58 مليون دولار، وكما يتضح أن التمويل للمعهد الديمقراطي والمعهد الجمهوري الأمريكيين في القاهرة بلغ 23 مليون دولار قبيل بدء الانتخابات البرلمانية وهو ما يكشف محاولة التدخل فيها بالانفاق علي المنظمات الأهلية والتأثير في أصوات الناخبين وإثارة الفوضي واجهاض الثورة.. 3- المخطط السري لتقسيم مصر إلي أربع دويلات من خلال الخرائط المضبوطة - وهي القاهرة والقناة والصعيد والدلتا وبدون ذكر منطقة النوبة - واستبعاد حلايب وشلاتين من خريطة مصر، وتلك الخرائط تماثل الخرائط التي ضبطتها السلطات السودانية داخل مقر المعهد الجمهوري في الخرطوم والتي كانت تحدد تقسيم السودان إلي دولتين قبل حدوث ذلك فعليا وانفصال دولة الجنوب، وهو ما يكشف مخططات المخابرات المركزية الأمريكية السرية في المنطقة وليس سرا أن هذه المراكز ترتبط بها وتعمل لحسابها، وبالذات فريدوم هاوس الذي يشرف عليه جورج سورس. وهناك ما كشفته وثائق ويكليكس عن الاتصالات السرية بين هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية ومارجريت سكوبي السفيرة الامريكية السابقة في القاهرة بخصوص كيفية خداع أجهزة الرقابة المصرية لتوصيل التمويل للمنظمات الأهلية والناشطين المصريين وقد وافقت كلينتون عام 9002 علي السماح بتقديم أموال لمنظمات مصرية بطريقة أشبه بغسيل الاموال وقالت في برقية سرية: أن السياسة الآن صارت نقل التمويل الأمريكي للجماعات السياسية في مصر عبر منظمات واجهة غير حكومية أمريكية أو دولية في شكل »منح من الباطن«.. واقترحت السفيرة سكوبي أن تغير واشنطن نقل أموال الحكومة الأمريكية المخصصة للسياسيين المصريين غير المسجلين - ومعظمهم من المعارضة الليبرالية والعلمانية أو الموالية لحركة المحافظين الجدد بحيث تمر أولا عبر منظمات واجهة لإخفاء مصدر التمويل بعدما اتهمت السلطات المصرية واشنطن بالتدخل في الشئون السياسية الداخلية! والغريب ان هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية تجيء بعد ذلك وتحذر من أن الحملة الأمنية التي تشنها السلطات المصرية علي منظمات أهلية أمريكية من شأنها ان تهدد المعونات التي تقدمها الولاياتالمتحدة لمصر- وذلك خلال لقاء مع محمد كامل عمرو وزير الخارجية علي هامش مؤتمر أمني في ميونيخ - وعلي حد قولها: أن هناك مشكلات ناجمة عن الموقف المصري ومن الممكن ان تؤثر علي بقية العلاقات مع القاهرة وان واشنطن لا تريد ذلك.. وقالت بالتحديد: أن الولاياتالمتحدة لا تري أي مبرر للمداهمات التي قامت بها السلطات المصرية لمقار المنظمات الأمريكية! وتوالي بعدها تهديد السناتور الديمقراطي باتريك ليهي رئيس اللجنة الفرعية المسئولة عن المساعدات الخارجية بمجلس الشيوخ: ان ايام الشيكات علي بياض قد انتهت! وأن المساعدات الامريكية لمصر لابد ان تكون مشروطة! وهكذا جاء رد الفعل الغاضب من جانب الولاياتالمتحدة بعدما انكشف المستور وما وراء التمويل المشبوه للمنظمات الأمريكية في مصر ونشاطها غير القانوني من خلال منظمات أهلية وشخصيات سياسية ليبرالية وغيرهم مثل حركة 6 أبريل التي تدعو للعصيان المدني.. وما يبدو واضحا ان هذا النشاط ليس له علاقة من قريب او بعيد بمنظمات حقوق الانسان او العمل الاهلي..! وكان لابد من وقفة مع الصديق. ولذا أكد المجلس الاعلي للقوات المسلحة ان مصر لا تخضع لهيمنة أي جهة، وان العلاقات الدولية المصرية سواء مع الولاياتالمتحدة أو غيرها تحكمها المصلحة المشتركة لا مصلحة طرف علي حساب الآخر وانه منذ بدأ القضاء المصري في نظر قضية التمويل الاجنبي لمنظمات المجتمع المدني بدأ مسلسل من الضغوط والتحذيرات والتهديدات لمصر من جانب واشنطن ووصلت إلي حد التهديد بقطع المعونة الاقتصادية والعسكرية وهو أمر لا يمكن قبوله!.