أول ظاهرة لفتت انتباهي وأنا أزور معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الثالثة والأربعين، أولي دوراته بعد ثورة 25 يناير. وبعد أن احتجبت دورة يناير 2011 لمواكبتها لأحداث الغضب والثورة التي نجحت في الاطاحة بنظام أجهد المصريين علي امتداد أكثر من ربع قرن، وجعل مصر تتراجع خطوات عن المكانة التي كانت عليها قبل ذلك، هي أن أجنحة دور النشر بدت وكأنها مساحات صغيرة متناثرة في بيداء مترامية الأطراف، فقد ضاعت ملامح أرض المعارض الدولية بمدينة نصر، التي كانت الأولي في المنطقة العربية قبل أن تظهر "الإكسبو" في العواصم العربية الأخري، تاهت دور النشر لأن "سراي" المعارض تم هدمها وإخفاء معالمها تمهيداً لتحويل هذه الأرض الشاسعة فجأة إلي مشروعات استثمارية بعد التخلص من معرض الكتاب وغيره من المعارض الدولية علي يد أعوان النظام السابق. وثاني الملاحظات التي استوقفتني هي تزوير الكتاب المصري هنا في القاهرة، وتداوله "عيني عينك" في أجنحة الناشرين المشاركين في المعرض وبأسعار تعجّز الناشر الأصلي لأنه لا يستطيع مجاراتها، وهو الذي يدفع حقوق التأليف وتكاليف تجهيز الكتاب والترويج له وتسويقه أيضا. فقد لاحظت أن عدداً من القائمين علي كبريات دور النشر في مصر يصرخون مستغيثين بالسلطات الأمنية داخل المعرض، لاتخاذ الإجراءات التي يكفلها لهم القانون لمواجهة هؤلاء المزورين الذين استباحوا أهم العناوين التي أصدرها هؤلاء الناشرين المصريين الكبار، وأحدثت أصداء واسعة في الساحة. فالمزور لا يعبأ بالكتب الهادئة أو الراكدة، ولكنه يبادر بتزوير "الكتاب البياع" علي حد قول أهل المهنة أنفسهم، وهو يضع أمام القارئ نسخة طبق الأصل من الكتاب المعتدي عليه؛ نفس نوعية الورق، والقطع، وتصميم الغلاف، ونفس شعار دار النشر والترقيم الدولي ورقم الإيداع في دار الكتب المصرية!. هذه كارثة حقيقية أضحت تهدد صناعة الكتاب في مصر الذي سبق وتأثر بالتزوير علي شبكة الإنترنت، فضلاً عن تراجع عدد القراء بسبب الظروف الإقتصادية الصعبة التي يمر بها المجتمع المصري إبان أحداث الثورة. كما لاحظت أنه وسط هذه الأجواء تستمر ظاهرة حفلات التوقيع في أجنحة الناشرين الكبار التي تهدف، في المقام الأول، إلي الترويج والإشهار أكثر مما ترمي إلي إرضاء رغبة قارئ يريد الحصول علي توقيع كاتبه المفضل علي صفحات كتابه الجديد. وإن كانت بعض الجوائز ذات السمعة الدولية التي توجهت إلي مؤلفين عن كتب بعينها قد أسهمت في ترويج هذه الكتب، بل وصدور طبعات متوالية منها في غضون شهور أو أسابيع في بعض الحالات، فها هي الطبعة الرابعة من رواية "العاطل" لناصر عراق تصدر بعد أيام قلائل من خروج طبعتها الثالثة، ويقيم ناشرها حفل توقيع لها في أول يوم جمعة يشهده المعرض متزامناً مع جمعة الغضب الثانية التي شهدها ميدان التحرير، وعلي الرغم من إنصراف الألوف إلي الميدان فقد احتشد حفل التوقيع بالشباب الذين قرأوا عن الرواية التي يماثلهم بطلها في الإحباط والعجز مما أثار فضولهم لقراءتها. ولابد من الإشارة إلي أن الكثير من رواد المعرض من مصريين وعرب وأجانب كانوا يحملون في أيديهم قائمة بالروايات التي وصلت إلي قائمتي البوكر القصيرة والطويلة، سائلين أصحاب دور النشر والقائمين علي الأجنحة عن كيفية الحصول عليها. إذن يمكننا القول إن الجوائز، التي اكتسبت موضوعية، نجحت في أن تسهم في ترويج الكتاب، والإعلاء من قيمة المؤلف، وإشاعة جو من الرضا لدي الناشر لأنه المقامر الذي راهن علي الجودة.