القرن الحادي والعشرون: أمريكي أم آسيوي؟! قبل التصدي بأي اجتهاد، ربما يكون السؤال بحاجة إلي إعادة صياغة! أي ملامح تشكل وجه القرن؟ قد يكون من الأصوب صياغة السؤال علي هذا النحو، فحتي الآن لايزال الجدل مستمرا - هادئ أحيانا، صاخب أحيانا أخري- حول القوي الأجدر بالهيمنة علي مقدرات المعمورة في العقود القادمة. ثمة اجتهادات تميل إلي صعوبة ان يصطبغ القرن ال12 بلون واحد، وقد يكون قرنا أمريكيا بنكهة آسيوية، أو آسيويا بمذاق أمريكي، فالحاصل بالفعل أن العالم يشهد إعادة توزيع لعناصر القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية والتقنية في موجة عكسية، أي من الغرب إلي الشرق، بعد قرنين كانت للغرب فيهما السيادة، مرة تحت عيون بريطانيا العظمي، والأخري بيد أمريكية، ومازالت واشنطن تحلم بامتداد هيمنتها من القرن العشرين للقرن الحالي. قراءة في الاستراتيچية الأمريكيةالجديدة تفصح عن تحول راديكالي، يحاول استباق الصعود الآسيوي، والالتقاء مع قواه الفاعلة في منتصف الطريق، إن تعاونا أو احتواءً أو عبر التلويح بامكانية المواجهة! »قرن أمريكا الباسيفيكي«، هكذا جاء العنوان العريض لشراكة علي ضفتي المحيط الهادي بين الولاياتالمتحدة وحليفاتها الآسيويات من جهة، ومن الجهة الأخري رسالة للقوي الصاعدة - خاصة الصين- تؤكد علي وعي أمريكا بالمتغيرات الحاصلة، لكن دون التسليم السهل باحتمالات فقدان مكانتها العالمية في نظام دولي يكون عماده الاساسي قائما علي مفهوم التعددية القطبية! واشنطن حاولت عبر ثلاث إدارات تعاقبت علي البيت الأبيض نسج شراكة استراتيچية مع بكين، إلا أن الأخيرة كان لها حسابات تعكس طموحات تتجاوز العروض الأمريكية التي لا تعترف في جوهرها بتقاسم حقيقي للأدوار والنفوذ! وفي لحظات، فإن العالم يبدو أنه مقبل علي جولات جديدة من الحرب الباردة، خاصة وان الصين تجيد لعبة التحالفات داخل آسيا من ناحية، ودعم التعاون مع أوروبا وروسيا من ناحية أخري، ثم الانطلاق إلي أفريقيا والمنطقة العربية من ناحية ثالثة ، في الوقت الذي تضعف فيه القبضة الأمريكية علي العديد من المناطق، لاسيما مع ارتفاع كلفة التمدد العسكري في ظل أزمات مالية واقتصادية حادة. الاهتمام الأمريكي المتصاعد بمنطقة المحيط الهادي- إذن- لا يعكس مخاوف من تهديد القوي الآسيوية الصاعدة للنفوذ التقليدي لواشنطن في القارة الصفراء، لكنه أيضا يتقاطع مع اليقظة الروسية، وتطلع موسكو لاستعادة مجدها السوڤييتي القديم، ليس فقط عبر شراكة أو راسية مثلثة، ضلعاها الآخران بيلاروسيا وكازاخستان، ولكن التدقيق في الخطوة الروسية يشي بتطلعات أكبر، وأكثر عمقا، لموسكو الطامحة للعب دور في الربط بين أوروبا ودول آسيا والمحيط الهادي، مما يعني وعيا مماثلا لذلك القائم في العقل الأمريكي بان مستقبل العالم خلال القرن ال12 سوف يتم تقريره في آسيا. »لعبة الأمم« في أحدث طبعاتها، ذات اللعبة القديمة، وإنما في ظروف جديدة مواكبة لتحولات بدأت في العقد الأخير من القرن الماضي، وها هي علي طريق التبلور، ومعظم خمائرها تتفاعل في آسيا، بعد سلسلة من الأزمات التي ضربت أمريكا وأوروبا، وجعلت مستقبل تجربة الأخيرة عبر اتحادها وعملتها الموحدة محل تساؤلات تلف اجاباتها هالات من الغموض والشكوك! ولأن أمريكا عند حسن الظن بها دائما، مغرقة في براجماتيتها »!« فانها لم تتوقف كثيرا لتفكر في مصير أوروبا، وتحولت في اللحظة الحاسمة إلي تبني رؤية جعلت من فكرة القرن الأمريكي - الآسيوي حجر الزاوية في استراتيچيتها، وعقيدتها الدبلوماسية، وخصما من رصيد التجمع الأطلسي الذي تصدت لقيادته منذ منتصف القرن الماضي، لكن مع مؤشرات قوية لأفول حقبة الليبرالية الاستعمارية بقيادة واشنطن، فان اللحاق بقارب النجاة الآسيوي يتطلب الابحار في المحيط الهادي وتغيير إتجاه الدفة!