أصدرت محكمة استئناف بريطانية في الأول من شهر ابريل الماضي حكما وضع فاصلا دقيقا بين "تقرير حقيقة" وبين "تعبير عن رأي" او في قضية استحوذت علي اهتمام الرأي العام البريطاني لمدة عامين. تعبير الرأي لا تثريب عليه أما تقرير الحقيقة فيتعين علي قائله أن يثبته. أصل الحكاية أن سيمون سينغ وهو مؤلف وكاتب بريطاني متخصص في الرياضيات والعلوم كتب مقالا في عام 2008 تعرض فيه لمؤسسة تقوم بعلاج الأمراض من خلال تقويم العمود الفقري يدويا. سينغ ذكر في مقاله إن هناك نقصا في الأدلة التي تتعلق بما يذكره بعض المعالجين بعلاجهم بعض أمراض الطفولة مثل المغص والربو بهذه الطريقة وأن الرابطة التي تضم المعالجين "تدافع بسعادة عن طرق علاج زائفة". الرابطة رفعت دعوي ضد سينغ بمقتضي قانون التشهير البريطاني قائلة إنه بتأكيده القول بأنها "تدافع بسعادة عن طرق علاج زائفة" فإنه بذلك يكون قد اتهم الرابطة بالعمل بشكل متعمد بطريقة غير أمينة. محكمة الدرجة الأولي قضت في عام 2009 بأن مجرد استخدام سينغ لعبارة "تدافع بسعادة عن طرق علاج زائفة" كان تأكيدا لحقيقة أن الرابطة "تروج عن وعي وبشكل غير أمين" لطرق العلاج وليس مجرد رأي ولا ينبغي السماح له بالتالي الارتكان الي بند "التعليق النزيه" وأن عليه أن يثبت صحة ما قاله من خلال الأدلة. وعلي قدر ما تتيح القوانين البريطانية من حريات، فإن هذا القانون يقطع رأس من يقع تحت طائلته لأنه علي حد تعبير سينغ يعني "أنني مذنب حتي أثبت براءتي علي عكس أي قانون آخر في انجلترا." كان أمام سينغ أحد أمرين.. إما أن يعتذر للرابطة في تسوية خارج المحكمة وهو ما كانت تتطالب به وإما أن يخوض معركة الدفاع عن حرية الرأي ويستأنف ويتحمل التكاليف المادية الباهظة لذلك. محكمة الاسئناف في الأول من ابريل الماضي أصدرت حكمها الذي هللت له الصحف البريطانية. قالت المحكمة إنه أيا كان الشكل الذي تطرح به كلمات سينغ ومحاولات تأويلها فإنها "في رأينا تعبير عن رأي." المحكمة التي تضم ثلاثة قضاة أرست مبدأ يأمل المؤمنون بحرية الرأي في بريطانيا أن يكون سابقة يتم الاستناد اليها فيما قد يجد إذ قالت " قد يكون الرأي خطأ لكن أن يسمح للطرف الذي تعرض للاساءة بسببه إجبار كاتبه أن يثبت في المحكمة ما قاله.. يعد دعوة للمحكمة أن تصبح وزارة للحقيقة" من عينة المحكمة التي أشار اليها جورج أورويل في روايته الشهيرة "1984"وهي محكمة تفتيش في الضمائر في دولة كابوسية أبدع اورويل في تصويرها. المدافعون عن حرية التعبير في بريطانيا هللوا للحكم باعتبار أنه سوف يفتح الباب أمام حرية المناقشات العلمية في بريطانيا. الرابطة قررت في الخامس عشر من ابريل الماضي عدم اسئناف الحكم. سينغ أضاع عامين من عمره بسبب القضية التي كلفته 200 ألف جينه استرليني (نحو مليوني جينه) لكنه ليس نادما علي أنه لم يتراجع ولم يعتذر ويقول "إنا مجمون الي حد ما ولهذا لم أفعل ذلك" اي التراجع والاعتذار. فهل هو مجنون فعلا؟