منذ حوالي سنة كتبت عنوانا قريبا من هذا العنوان، عندما اختار الامام الأكبر السفير الخبير بشئون العالم، المثقف الموسوعي. الحسيب النسيب، حفيد معلمنا الأول، وباحث نهضتنا رفاعة رافع الطهطاوي: السفير محمد رفاعة الطهطاوي متحدثا باسمه. والذي انخرط في صفوف الثورة منذ بدايتها، واستقال حتي لا يسبب حرجا للأزهر وشيخه، مع النظام الذي لم تكن علامات سقوطه قد تبدت بعد.. لكن طيبات الشيخ العلامة الدكتور أحمد الطيب توالت، »وثيقة الأزهر« الأولي العظيمة التي حددت دولة مصر الثورة ب»الوطنية الدستورية الحديثة« ثم وثيقة الأزهر الثانية التي حددت حريات المصريين، كأرقي، ماوصلت اليه الوثائق الانسانية في العالم.. مع برنامج الاثني عشر بندا لاستكمال الثورة التي »بهرت العالم«.. وحماية شبابها.. وعودة »روح ميدان التحرير«.. إن مصر.. وثورة 52 يناير محظوظان أن يكون علي رأس مؤسساتها الدينية الرسمية الثلاثة: البابا شنودة الثالث علي رأس الكنيسة الوطنية المصرية بتاريخها المجيد وموقفها الصلب ضد العدوان العنصري الصهيوني علي المقدسات الاسلامية والقبطية في فلسطين، ومقولته الخالدة »مصر ليست وطنا نسكن فيه.. وانما هي وطن يسكن فينا«، أما شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ومفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة، فهما بعلمها الصافي، وعصريتهما، فإنهما يجددان ويواصلان مسيرة ائمة الاسلام العظام. ولذلك. ليس غريبا ان يكون هؤلاء الثلاثة الصادقون محورا قويا يلتف حوله جميع المصريين.. في وفاق وطني عظيم. في رثاء »أصلان«.. لماذا نعظمهم بعد الممات.. ونضن في الحياة رحل الكاتب الأديب ابراهيم أصلان.. وامتلأت الصحف والقنوات بقصائد التقدير والإعجاب بالراحل العظيم.. تذكرت وأنا أقرأ مراثي »أصلان« أنني لم أقرأ شيئا مما يكتب عنه الآن من قبل ثم تذكرت ما وجه الي ابراهيم أصلان من هجوم واتهام مغلظ أيام رواية »وليمة لأعشاب البحر«، التي كان مسئولا عن السلسلة التي نشرت ضمنها. لم اتشرف بمعرفة وثيقة به، الا لقاءين عابرين، عندما يمر علي مجلة »الكاتب« للقاء الكاتب الراحل عبدالجليل حسن، الذي كان مركزا لأدباء الشبان في أواخر الستينيات، لكن عرفت عنه أهم عنصر في تشكيل شخصيته الأدبية، من شقيق زوجتي الشاعر الكبير محمد كمال محمد علي، فقد كانا زميلين في هيئة البريد، قسم التلغراف، هذه البداية العصامية، والكفاح من أجل الحياة، ربطته بوشائج متينة ببسطاء الناس، بأهله.. وهم من ظل أدبه يعكس حياتهم طوال حياته. أعود للتأمل في هذه النظرة للإنسان وهو من بيننا، ثم بعد أن يرحل.. هذه الاشكالية شغلتني كثيرا. ففي سرادق عزاء المرحومة زوجتي، لاحظ أخي الذي كان يجلس أمامي، أن عيني لا تكفان عن سكب الدموع. وفي لحظة، أتي بإشارة معناها: تبكيها الآن، وكنت معذبا بها طوال 72 عاما؟.. وكانت بالفعل أصيبت بأبشع مرض يصاب به إنسان، لأنه مرض لا يصيب الشخص نفسه فقط، إنما تأثيره الأخطر يصيب كل من هم قريبون منه. رغم إشارة أخي، وإدراكي لما يقصده، كبح دموعي،. فقد كنت أفكر في سنها.. وكأني استعرض شريط حياتنا، وأتوقف فيه عند كل ما هو طيب.. وفي لحظة تداخل بين الفكر والمشاعر، ملت الي الصديق الطبيب العلامة الدكتور عبدالجليل مصطفي، وسألته: هل الموت في حد ذاته، يرفع من قدر الانسان؟ أجابني فورا: فعلا.. والا لماذا اتفقنا علي مقولة »اذكروا محاسن موتاكم«. وذهبت بذاكرتي بعيدا، لأجد أن هذه الاشكالية شغلتني منذ كنت في السابعة عشرة من عمري. فعندما دعاني استاذي ومعلمي الأول إحسان عبدالقدوس لحضور اجتماع مجلس تحرير روزاليوسف لأول مرة، وجاء علي الدور لأقول ماسأقدمه للعدد القادم، قلت: عظماء.. اضطهدوا في حياتهم.. مجدوا بعد مماتهم، وذكرت أعلاما كبارا.. وعندما ذكرت اسم »فولتير«، قال الاستاذ: لكن فولتير كان لديه ضيعة.. قلت: لكنه مع ذلك قضي فترة منفيا في انجلترا.. هي اشكالية علي أي حال، تكرر كل يوم.. ربما يقدم لنا علماء النفس أو الاجتماع تفسيرا لها... تحية لابراهيم أصلان »قيمة ثقافية« في حياته، ومعني إنسانيا ساما في مماته.