لسنوات طويلة.. كانت الانتخابات البرلمانية النزيهة التي تجري في ربوع مصر.. اشبه بالموسيقي التصويرية التي تسبق ظهور فتحي سرور.. رئيسا لمجلس الشعب.. وسطوع نجم صفوت الشريف رئيسا لمجلس الشوري بالإجماع.. وسط موجات متلاحقة من النفاق.. ولم يكن يدور بخلد أحد أن يأتي اليوم الذي تتفق فيه الأحزاب علي اختيار الكتاتني رئيسا للمجلس الموقر!! لقد ظل فتحي سرور يلعب دور فتي الشاشة الأول لعقود طويلة.. لعدم وجود بديل من جيل الشباب.. ومعه »السنيد« صفوت الشريف الذي يقوم بدور عبدالسلام النابلسي في أفلام الزمن الجميل.. واستمرت صور سرور وصفوت تطاردنا عند نقل جلسات المجالس النيابية علي الهواء.. كانت كل جلسة لمجلس الشعب.. هي فيلم جديد.. بنفس الأبطال.. ونفس القصة.. ونفس المخرج.. بل ونفس الكومبارس.. الذين شابت لحاهم »والعقل لسه ما جاهم«. كانت هذه الأفلام.. تعمق الاحساس بأننا »عالة« علي حكامنا.. وان هؤلاء الحكام.. يبذلون كل الجهد من أجل تحسين أوضاعنا.. وتوفير العلاج والصرف الصحي.. وتوفير ملايين الشقق للشباب ولكننا.. لا نستحق كل هذا العناء.. لم يكن احد يحلم بالتغيير.. وان يأتي اليوم الذي يجلس فيه فوق منصة مجلس الشعب.. وجه جديد.. يعطي الكلمة للأعضاء.. ويحفظ القوانين المنظمة للحوار تحت القبة.. أقول.. جاء اليوم الذي طالما انتظرناه.. وجرت الانتخابات واسفرت عن النتائج المتوقعة.. والتي تعكس الواقع.. بصرف النظر عن تباين الآراء حولها.. وأصبحنا علي أبواب حقبة مختلفة لممارسات ديمقراطية بشكل مختلف.. وبوجوه جديدة.. تطل علينا.. ربما للمرة الأولي.. بمثل هذا الوضوح.. نحن لا نعرف الوجوه التي اسفرت عنها الانتخابات البرلمانية الأخيرة.. ولا نستطيع اصدار الأحكام المسبقة حول امكانيات وقدرات وثقافة الغالبية العظمي من النواب الجدد.. لسبب بسيط هو ان النظام الإجرامي البائد.. لم يكن يسمح بظهور من هم خارج سلطان الرئاسة.. ودائرة المنتفعين.. في النظم الديمقراطية التي تسمح بتكافؤ الفرص بين الأحزاب.. تلمع العديد من الوجوه السياسية القادرة علي تحمل اعباء العمل العام وخدمة الأوطان.. سواء كانت في الحزب الحاكم أو في أحزاب المعارضة.. الأمر الذي لا يؤدي فقط لاثراء الحوار العام.. وإنما لظهور وجوه سياسية من الأجيال الجديدة تعلن عن نفسها وتتصدي للخدمة العامة.. وتكتسب شعبيتها وجماهيريتها بجهودها الذاتية بالغة التواضع.. هذه الأجيال الجديدة.. هي الثروة الحقيقية لتقدم الأمم ومواكبتها للعصر.. بحكم إدراك كل جيل للواقع.. وللمشاكل التي تواجه الغالبية العظمي من المواطنين.. فأنت تري السياسي الشاب.. وهو يستقل المواصلات العامة.. ويتعامل مع المستشفيات.. ويناقش قضايا التعليم.. والملامح الأولي لظهور العشوائيات وأطفال الشوارع.. وأحوال الأرصفة.. ومظاهر البطالة.. وتدني الخدمات العامة.. وبالتالي فهو عندما يصل إلي مواقع المسئولية السياسية.. يصل ومعه أحدث صورة.. عن المشاكل التي.. عاشها بنفسه.. ولم يتعرف عليها من خلال التقارير الحكومية. علاوة علي ان تبادل السلطة في فترات متقاربة.. وبناء علي نتائج الانتخابات العامة.. فإن كل عضو في البرلمان.. هو آخر شاهد عيان لأحوال الأمة.. وليس من سمع كمن رأي. في الدول الشمولية التي لا يتم فيها تبادل السلطة يحدث العكس.. وتتراكم المشاكل وتصبح غير قابلة للعمل بسبب تعفن النواب القدامي فوق مقاعدهم.. ومعاناتهم لأمراض الشيخوخة.. وانتقالهم بالسيارات الحكومية المسدلة الستائر التي لا تسمح للمسئول برؤية الواقع. السيارات الحكومية مسدلة الستائر.. التي تذكرنا بعصر الحريم.. لا تحول دون تحرش المارة بحريم السلطة فحسب.. وانما تحول دون وقوع عين المسئول علي ما هو خارج التقارير التي يتلقاها من الجهات السلطوية الأعلي.. يضاف لحالتنا في مصر.. ان حكامنا كانوا ينتقلون من قصورهم لمنتجعاتهم بالطائرات الهليكوبتر.. ناهيكم عن زيارات الخارج من أجل الداخل التي تتم بالطائرات.. عبر المحيطات.. والقارات.. علاوة علي ان اختيار نواب الحزب الحاكم الذي تمدد علي سرير السلطة أكثر من 03 سنة.. كان يتم بناء علي التقارير الأمنية وترشيحات الجهات السيادية.. دون ان يكون هذا النائب قد خضع لأي تجارب سياسية سابقة.. أو يمتلك الحد الأدني من الثقافة التي تسمح له بالممارسات التي تستند إلي الواقع.. ولذلك نقول ان نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة.. التي اسفرت عن فوز تيارات الإسلام السياسي.. كانت تعكس الواقع بكل تفاصيله.. وعلينا التعامل معها بواقعية.. وبلا تضخيم للمخاطر.. لان هذه الانتخابات كانت أول انتخابات حقيقية منذ أكثر من 06 سنة.. لقد انشغلت ثورة 2591 بقيادة جمال عبدالناصر.. بقضايا البناء والتعمير والتصنيع.. وقضايا التحرر الوطني.. ولم تكن الديمقراطية من بين أولويات القيادة السياسية للثورة.. وانشغل أنور السادات بتحرير سيناء والاستعداد لحرب أكتوبر.. ثم مفاوضات السلام.. إلخ.. وجاء حسني مبارك كي يمارس سياسات.. لا تمت للواقع بأدني صلة.. واسفرت عن تدهور التعليم.. وارتفاع نسبة الآمية.. وانتشار العشوائيات التي يسكنها 71 مليون مواطن مصري.. ومعها أربعة ملايين من أطفال الشوارع.. إلخ. أعود لموضوعنا فأقول.. ان نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة.. هي من أهم مكونات التركة التي ورثناها عن النظام الإجرامي البائد.. وهي تركة عادية جدا.. واجهتها جميع الدول التي انتقلت من نظام حكم الفرد.. والزعيم الملهم.. إلي نظام ديمقراطي يعتمد علي تبادل السلطة.. جميع الدول التي خاضت الانتخابات علي هذا النحو واجهت نفس المشكلة.. وقد عشت تجارب التحول في جميع دول أوروبا الشرقية التي انتقلت من نظم استبدادية لنظم ديمقراطية.. وراقبت المعارك الانتخابية.. وحيرة الناخب أمام صناديق الاقتراع التي يراها لأول مرة في حياته.. وعجز الغالبية العظمي من المواطنين عن فهم مايجري حولهم من صخب سياسي غير مألوف.. ولم تسفر نتائج الانتخابات في جميع هذه الدول بما فيها المانياالشرقية عن وصول الأصلح والأنسب في أول انتخابات. أول انتخابات بعد انهيار النظم الاستبدادية.. هي أول تجربة.. وهي سنة أولي سياسة.. بل هي اشبه بالحضانة السياسية.. ثم يجري التصحيح بعد ذلك.. وعلي مراحل يشهدها جيل.. بعد جيل.. واذكر بهذه المناسبة انه في أول انتخابات برلمانية في المانياالغربية سنة 9491 فاز الحزب النازي بأغلبية 7٪ من الاصوات.. وجري تمثيل نوابه في البوند ستاج »البرلمان«.. أما في الانتخابات التالية.. فلم يفز الحزب النازي بالأصوات التي تسمح له بالتمثيل في البرلمان. علينا علي ألا نقلق علي مستقبل بلدنا.. ولا علي أولادنا.. لاننا نجتاز مرحلة.. كان لابد من اجتيازها للعبور نحو مستقبل مشرق.. لأن الله معنا.. وسوف ننتصر بإذن الله.. لانه لن ينزع الأمل من قلوبنا.. وعلينا ألا ننسي اننا لا نزال في سنة أولي سياسة.