لو استمر هذا الحال من التشكيك في كل شييء، لن تقوم لهذا البلد قائمة.سوء الظن أصبح هو الغالب علي الحياة السياسية في مصر، لا يثق أحد في أحد، لو دخلت مؤتمرا أو ندوة أو اجتماع وألقيت التحية علي الحاضرين، سيتردد كثيرون في ردها، فربما تكون فلولا او ليبراليا او علمانيا او اخوانيا او سلفيا او مسلما او مسيحيا او جماعة اسلامية أو ثوريا. ونسي الجميع انك بالتأكيد لا بد وان تكون مصريا، لانها مسألة لا تقبل الاحتمالات او ربما أو قد. ثقافة الشك والهدم والتخوين والتخويف والتكفير، تغلب كل ثقافات الاعتدال والتسامح والبناء والعمل والانتاج، واذا كان شيوع هذه الثقافات السلبية هو الذي ادي الي ثورة 25 يناير، فما المبرر الآن لاستمرار سياسة " اما انا، او مفيش". فبعد ماراثون انتخابي شهد بنزاهته صقور الاعلام الغربي، جاء من يدعي انها انتخابات مزورة وان 9 ملايين صوت حصل عليها الاسلاميون بالتزييف، وإمعانا في هدم أول مؤسسة ديمقراطية تبني علي اسس حرة ونزيهة منذ ثورة يوليو 1952، وتشكل اول شرعية حقيقية بعد ثورة 25 يناير، طالب المهندس ممدوح حمزة شباب الثوار بحصار البرلمان ومنع النواب المنتخبين من الشعب من دخوله اذا ثبت تزوير الانتخابات. وهو تأجيج لمشاعر الثوار وحشدها وتجييشها ، حتي قبل أن تثبت فرية التزوير .كما انه استباق لادعاءات لم تثبت ويسعي لترويجها والنفخ فيها كل من أسقطهم الشعب في الانتخابات، فهم اصحاب المصلحة الحقيقية في ضرب كرسي في كلوب الفرح الديمقراطي . بالتشكيك في البرلمان نكون قد عدنا الي المربع صفر، وتستمر البلاد في فراغ دستوري وتشريعي ويصبح الامر مفتوحا علي كل الاحتمالات، خاصة مع اصرار البعض علي منع استمرارالمجلس الاعلي للقوات المسلحة في حكم البلاد. ومن المؤسف ان من يريدون ادخالنا هذه الدائرة الجهنمية بالتشكيك في البرلمان وتخوين التيارات الاسلامية والمجلس العسكري، هم من يصرون علي ان يقوم هذا المجلس بتسليم الحكم الي سلطة مدنية بأسرع ما يمكن. كيف يكون ذلك ، اذا كنتم تهدمون البرلمان فوق رءوس نوابه، بل والشعب كله. وتبصقون علي 50 مليون ناخب ادلوا بأصواتهم في مراحل الانتخابات الثلاثة. وحتي لو عبرنا معركة البرلمان بسلام، فماذا سنفعل في موقعة تشكيل لجنة المائة التي ستضع الدستور، ثم غزوة انتخاب رئيس الجمهورية، وبالتزامن مع كل هذه المعارك نحتاج أن نعمل وننتج حتي لاتنهار البلد ولا أقول إعمارها أو نهضتها ، كما نحن في أشد الحاجة الي القضاء علي ثعابين وحيات عصر مبارك التي انطلقت من جحورها وراحت تلدغ الثوار في اكثر من موقعة من الجمل الي ماسبيرو ومن محمد محمود الي مجلس الوزراء، وللاسف لا نعرف متي وأين ستأتي اللدغة القادمة. وسط كل هذه الظروف نحتاج أن نتكاتف ونتحد ونقوم بالواجب الاساسي للوقت وقاعدته الذهبية:"نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعصنا بعضا فيما اختلفنا فيه". نتفق علي اننا نريد مصر دولة ديمقراطية حرة عادلة تساوي بين جميع ابنائها، لا فرق فيها بين مسلم ومسيحي إلا بما يفيد به بلده أو يضرها. وهذه هي تقوي العصر. دولة يلفظ دستورها الاستبداد والظلم والفساد ويعلي احترام حقوق الانسان وتجريم التعذيب ويقدس حرية العقيدة والرأي والصحافة والتعبير والبحث العلمي .قد يري البعض ان ذلك يمكن أن يتحقق عبر مرجعية اسلامية، وقد يري آخرون انه يتحقق من خلال استلهام نماذج الليبرالية الغربية. كلها رؤي ايجابية يجمعها الكثير من القواسم المشتركة، وكلها اجتهادات طيبة يجب ألا نخون من يطرح هذا التصور أو ذاك، نحتاج الي كل عقل ويد للاخذ بيد مصر. ولا أنكر هنا الجهود المحمودة للدكتور احمد الطيب شيخ الأزهر لتحقيق التوافق الوطني بين كافة أطياف المجتمع المصري بمسلميهم ومسيحييهم وقد أنفق الدكتور الطيب ومستشاروه وعدد كبير من عقول مصر ما يزيد عن 1440 ساعة لاعداد وثيقة الحريات التي تضمن لكل مصري الحرية في أن يؤمن ويعتقد بما يشاء وان يعبر عن رأيه دون قيود. كما تصون الوثيقة حرية الصحافة والاعلام والابداع الادبي والفني والموسيقي، وحرية البحث العلمي. ولم يكتف الامام الاكبر بذلك بل دعا الي مبادرة للتوافق الوطني أكدت علي التعهد باستكمال اهداف ثورة 25 يناير، واستعادة روح ميدان التحرير ومنع محاكمة المدنيين امام المحاكم العسكرية واطلاق سراح المعتقلين السياسيين. تعالوا نتوقف عن زرع الشك والشوك ونعلي وثيقة الازهر للحريات ونلتزم بمبادرته للتوافق الوطني. خير البر عاجله: بعد خلع الكنز الاستراتيجي خرج الصهاينة من "المولد" بلا حمص. الحمد لله بعنا الحصيرة و"أبو حصيرة"! زمان أصدر الحزب الوطني المحروق جريدة "هبابية"باسم "شباب بلادي" سماها بعض محرريها "شباشب بلادي".اليوم ظهرت شباشب بلادي فعلا اثناء محاكمة الرئيس المخلوع وعليها صورة مبارك والعادلي.هل تأمن علي رجلك أن تلبس شبشب مبارك أو العادلي؟ الي كل من يسأل السؤال الرذل:هي البلد رايحه علي فين؟ نرد عليه:يبدو انك لم تسمع ابدا حكمة المفكر ديفيد جونسون: " ليس علي طريق النجاح ارشادات تحدد السرعة القصوي" في "نفس" مبارك..كبر إبليس وحسد قابيل وعتو عاد وطغيان ثمود وجرأة نمرود واستطالة فرعون وبغي قارون.