تنوعت الإسئلة وعزت الإجابات، ذلك أن الرهان السياسي العام في بلادنا لايكشف عن مسار محدد ولاأفق يبين للناظرين والحالمين، فعلي غرار البرنامج الإذاعي الناجح " قال الفيلسوف " الذي هو بأقوال الحكماء شغوف سأقص عليكم حكايتي فربما فيها إجابتي ذلك أنني الليلة مشغول و هذا أمر شرحه يطول. إسمعي يا بنيتي: إنها قصة في مأثورنا الإنساني حفظتها الذاكرة و اختزنها وجداني، لا أعرف علي وجه الدقة أين قرأتها أو ممن عساي أكون قد سمعتها، هي لا تصلح نكتة رغم ما قد تجلبه من ضحك و سخرية و هي ربما كانت أقرب إلي الطرفة أو الأقصوصة المسلية. إسمعي يا بنيتي: هما صديقان حميمان جمعتهما علي طول الشقة والزمان أواصر محبة و تفاهم وعرفان. هما دائما معا نادرا ما يفترقان وأنا لا أذكر علي وجه اليقين هل كان يجمعهما نسب أو كانا قريبين. باختصار يا فيلسوف، ألم تقل أنك الليلة مشغول و أنه أمر شرحه يطول فأترك السجع و البديع الفاخر و هات لي و حياة سعادتك كده من الآخر. إذن لابد مما ليس منه بد، إسمعي يا بنيتي، باختصار بينما هما في رحلة صيد ... و فيلسوف!! إياك وأن تحكي لي قصتك القديمة التي نشرتها في الأخبار من قبل تحت عنوان لقد أكلني الأسد فهلا استرحت. لا يا بنيتي إنها قصة أخري فرغم أن مكان القصتين واحد إلا أنهما مختلفتان وموحيتان ومشوقتان ومعلمتان.... فيلسوف !!... يا بنيتي مكان القصتين واحد .. إنها الغابة و ليس في ذلك من عجب و استغراب فها هي الدنيا حولنا غابة إما أن تكون فيها ثعلب أو تأكلك الكلاب. فيلسوف !! أكمل لك الحكاية: هذه كانت البداية. بينما هما في رحلة الصيد و إذا بهما وعلي مقربة من النهر أمام دغل و أحراش ... فيلسوف !! باختصار يا بنيتي .. إذا بهما أمام دب ضخم أرقط. لبرهة تحجرت أقدامهما و تعثرت خطواتهما و ترددت حركاتهما و ارتعشت خلجاتهما... فيلسوف !! باختصار يا بنيتي ... إذا بأحدهما يلقي بسلاحه من بين يديه و يترك حقيبته التي يحملها علي كتفيه و يتخفف من كل أحماله و أغراضه. فلما تعجب صديقه و سأله ماذا تفعل. قال سأجري، وأجابه صديقه أنها فكرة غير جيدة. هل تحسب أنك و مهما كانت قدرتك يمكن أن تجري أسرع من هذا الدب الأرقط. وهنا تأتي المفاجأة التي لم يكن يتوقعها أحد ربما من المغفلين أمثالنا فيلسوف!! القصد يا بنيتي . إذا به يقول له: ليس عليٌ أن أجري أسرع من الدب إنه يكفيني أن أجري أسرع منك أنت .. وهم بالجري .. فيلسوف !! هذه قصتي يا بنيتي . أقرئيها كيفما شئت و أستخرجي منها العبرة و الحكمة حسبما أردت و كوني علي بينة أنني عند السؤال سيجيب عني واقع الحال بأن كل ما قلته كان وحي خيال فأنا أخشي المساءلة السياسية ولا أحب مناوشات محدثي الليبرالية ومحافظي البرجماتية فإذا ما أقترب مني " الكلابوش " فلن أعرفك وسأكون زعيم " للأنامالية ". فيلسوف !! بلا فيلسوف بلا زفت : أنتم خليتوا فيها فيلسوف و لا غيره ... بصي إيه اللي وراكي يا بنيتي، تلتفت و إذا به الدب الأرقط و إذا بالفيلسوف و قد أسلم ساقيه للريح. وهنا طبعا عزيزي القاريء تثور تساؤلاتك ما هذا الذي يحدث و ماذا يكتب لنا صاحبنا اليوم ؟ إنه لأمر عجيب هل هذا في الفكر أم في السياسة ؟ و تتوالي بالطبع أسئلتك بما فيها من استفسار واستنكار ولعلك تقول وهل هناك فيلسوف يتحدث مثل هذه العامية الركيكة بمجرد أن واحدة من تلاميذه طلبت منه " أن يكون روش طحن و يجيب من الآخر" ؟ و هذا سؤال له وجاهته و لكن هل عزيزي القاريء لغة الفيلسوف العامية هي كل ما لفتك في القصة وأثار اهتمامك. " يا سلام يا أخي .. يا سلام " يعني كلمتين عامية وقفوا في زورك و لم يلفت نظر سعادتك ماذا أتي بالدب الأرقط إلي قاعة المحاضرة ؟ ثم أين كان يختبيء هل كان سيادته "لابد في الدرة"؟ وأين كان باقي التلاميذ؟ وإذا كان لابد من إعادة ترتيب الأحداث فإنني أنبه أن القصة رمزية تحكي عن مفهوم "البرجماتية " التي تصل إلي حد النفعية، فرغم أنهما صديقان حميمان قريبان نسيبان إلا أنه قرر أن ينجو بنفسه وحده و كان كل رهانه أن يسبق صديقه الذي حتما سيكون صيدا شهيا للدب الأرقط. أي أنه بكل " نذالة " وضع خطة خلاصه و تحرره واستعادة حياته علي حساب حياة صديقه ورفيقه. إنه شكل مغال في النفعية وقد مارستها النخبة السياسية بانتهازية واحتراف، وهو سلوك لايقدر علي اجتراحه إلا من تحلل من وازع الأخلاق والدين والضمير، وهكذا أفسدت السياسة الأخلاق وأساءت إلي الدين؟ من مقال نشر في الأخبار 2006 وأحسبه لايزال صالحاً حتي اليوم.