د. محمد ماهر الصواف كثر الحديث أخيرا عن الحد الفاصل بين حق الشرطة في استخدام القوة وإعادة هيبتها في مواجهة حالات الإخلال بالأمن والخارجين عن القانون من جانب، والالتزام بحسن التعامل مع المواطن بما يحفظ كرامته وحريته وحقوقه الإنسانية التي أقرتها جميع الدساتير والمواثيق الدولية من جانب آخر. ولهذا فقد استقبلت تصريحات وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم يوسف بشيء من الارتياح حيث أظهرت تفهمه لهذه الإشكالية وغموضها فرغم أنه اظهر عزمه للتحرك بفاعلية نحو إعادة الأمن للشارع المصري وتحقيق الانضباط والأمان وانه سيضرب بيد من حديد علي الخارجين علي القانون بالقانون، إلا انه في نفس الوقت أكد ان ذلك لا يعني عودة الشرطة بوضعها السابق الذي اتسم باستخدام العنف غير المبرر مع المواطنين وأساءت استخدام السلطة ومخالفة القواعد المستقرة عالميا المتعلقة بحقوق الإنسان . فقد صرح أنه لن يسمح برفع عصا في وجه أي مواطن شريف يعرف حقوقه ويؤدي واجباته ، وانه لابد من إيجاد نوع من التواصل الجديد بين الشرطة والشعب ليس في القاهرة فحسب وإنما في جميع محافظات مصر . وفي هذا الإطار لابد أن نسلم أننا بصدد منظومة معقدة وفي رأيي أن التوصل إلي الموازنة بين فعالية جهاز الشرطة في تحقيق الأمن والانضباط ، وحماية كرامة المواطن تتطلب تحديث وتطوير عدة محاور أهمها: جهاز الشرطة وهياكلها وسلوكيات أفرادها وثقافتهم: فمن الضروري علي سبيل المثال أن يتعرف الضباط والأفراد علي ضوابط استخدام القوة والحدود القانونية لها ، وإعمال مبدأ التناسب والتدرج في استخدامها ، أيضا إعداد البرامج التدريبية التي تساعد علي تقويم سلوكهم وتغيير ثقافة التعالي والاستبداد.
أساليب وآليات العمل الشرطي: فلابد من التوسع في استخدام التقنيات الحديثة في مكافحة الجريمة ورفع القدرة علي استخدامها للتحديد المشتبه فيهم والبحث عن الأدلة التي تثبت إدانتهم او نفيها وذلك دون استخدام التعذيب المادي والمعنوي.
الإطار القانوني الذي يحكم تدابير ضبط الجريمة ومنع ارتكابها (إجراءات منع الجريمة): فإنه من الأهمية تحديد التدابير المتعلقة بمنع الجريمة بشكل جيد ووضع ضوابط استخدامها وتقنينها مثل : وضع الأكمنة الأمنية، واستيقاف المواطنين، تسجيل البيانات الشخصية لبعض المواطنين ، وغيرها من إجراءات منع الجريمة والتي اعتادت الأجهزة الأمنية اتخاذها. وتتجلي خطورة هذه التدابير في كونها عادة ما تتضمن قيود وضوابط للحريات الفردية ويترتب علي الإساءة في استخدامها تعد سافر علي الحريات والحقوق الإنسانية ودون سند قانوني. الثقة المتبادلة بين المواطن ورجل الشرطة ومدي تعاونه ودعمه للأجهزة الأمنية: يجب ألا نغفل دور المواطن في منظومة الأمن . فسرعة الإبلاغ ، والتحديد الدقيق لمواصفات الخارجين علي القانون، والمحافظة علي الآثار المتخلفة عن ارتكاب الجريمة ،والمعاونة في الإرشاد عن الجناة والأسلحة غير المرخصة وتسليمها للشرطة وغيرها من أوجه التعاون ، كلها من الأمور الحاسمة في ضبط الجناة ورفع مستوي فعالية الأداء الأمني. ولا نغفل في هذا الصدد مدي وعي المواطن بحقوقه القانونية والإلمام بحدود ممارستها، والتعرف علي سبيل المثال علي ضوابط الحق في التظاهر والتجمع السلمي . سيادة القانون وشرعية قواعده ومدي اتفاقه مع الإرادة العامة، وتنفيذه دون تمييز: فلا بد من الحزم في تطبيق القانون علي الجميع دون تمييز ودون المساس بكرامة المواطن ومقتضيات حسن التعامل وحق الدفاع مع سرعة الفصل في القضايا. وهكذا فالأمر يحتاج بالفعل إلي وضع إستراتيجية أمنية مدروسة يراعي فيها التفاعل بين الجوانب المتعددة للمنظومة الأمنية ويحدد فيها الأهداف بشكل محدد وواضح وتنفيذها من خلال خطط قصيرة الأجل وأخري طويلة الأجل.