منذ عدة سنوات تم اعداد مشروع قانون يتيح حرية تداول المعلومات باعتبارها حقا للمواطن ولرجال الصحافة والإعلام حتي تكون هناك شفافية ورقابة إعلامية واجتماعية.. لكن المشروع لم يفارق الأدراج ولم يعرض للمناقشة في البرلمان وهو مايكشف عن وجود أيد خفية تمنعه من الصدور حتي لاتنكشف انحرافاتها أو تلاعبها أو تربحها أو حقيقتها أمام الرأي العام. لكن ثورة25 يناير استطاعت الوصول الي معلومات عن ثروات مسئولين استفادوا من مناصبهم.. ولو أن هذا لايمنع من أن يصدر قانون يضمن حرية تداول المعلومات حتي لاتكون هناك فرصة لإخفاء الحقائق التي ستظهر مهما حاولوا إخفاءها. د. محمد شومان عميد المعهد الدولي العالي للإعلام يشير بداية الي أن هناك أهمية بالغة الآن لإعادة النظر في منظومة الإعلام المصري بأكمله سواء من حيث الملكية أو الإدارة أو اختيار قيادات العمل الاعلامي وضرورة مشاركة العاملين بالمؤسسات الإعلامية في صناعة القرار إضافة الي ضرورة الاسراع في إصدار قانون اتاحة المعلومات ليصبح من حق أي إعلامي الحصول علي المعلومات من مصادرها دون تمييز بين وسائل الاعلام الخاصة أو المملوكة للدولة ومن الضروري وضع تشريع حاسم يجرم إخفاء الموظف العمومي للمعلومات عن وسائل الإعلام.. إضافة الي ضرورة إصدار قانون عاجل يتيح نشر الوثائق الرسمية.. فلا يعقل أن يعمل الصحفيون والمؤرخون دون اطلاع علي كثير من الوثائق الحكومية التي يعتبر الاطلاع عليها حقا من حقوق المواطن.. ولاينبغي هنا أن نغفل أن حق الحصول علي المعلومات وإتاحتها للإعلاميين هو حق من حقوق المواطن يتعلق بحقوق الاتصال.. كما يجب أيضا أن نشير الي أهمية مراجعة كثير من المفاهيم الفضفاضة والغامضة كما يتابع د. محمد شومان والخاصة بمصطلحات عديدة كالوحدة الوطنية والأمن القومي علي سبيل المثال.. ولا مانع علي الإطلاق من إصدار مواثيق ومدونات اخلاقية لممارسة المهنة يلتزم بها رجال الإعلام في الصحافة المقروءة والمرئية.. مع سن قوانين إعلامية جديدة تتيح حرية إصدار الصحف وامتلاك الإذاعات والقنوات التليفزيونية مع وضع ضوابط يضعها المجتمع المدني والإعلاميون أنفسهم.. فكافة معوقات إصدار مشروع قانون حرية تداول المعلومات وفرض قيود حوله قد إنتهت بمجرد سقوط النظام والشرعية الثورية الجديدة التي انتزعها المواطن المصري تحتم الآن الإسراع بإصدار مثل هذه القوانين. تراجع الشائعات د. عدلي رضا الاستاذ بكلية الاعلام جامعة القاهرة يجب ألا نغفل أن عدم إتاحة المعلومة قد يؤدي بالكثيرين الي السعي الي الحصول عليها من مصادر أخري مما قد يؤدي الي تسريب معلومات مغلوطة ومشوهة.. بينما علي الجانب الآخر تسهم إتاحة المعلومات في تفهم المواطن للواقع الذي يعيشه مما يساعده علي اتخاذ القرار المناسب.. ولاشك في أن التطور الديمقراطي الذي تشهده مصر الآن يسهم في تدفق وانسياب المعلومات وتتلاشي معه كل صور التعتيم علي الحقائق.. إلا فيما يتعلق بما يمس الأمن القومي فهناك قانون يخصها وحدها وهنا يجب أن نشير كما يضيف د. عدلي رضا الي أن كل دولة لها نظامها الخاص في هذه الجزئية وفقا للصالح العام لمجتمعها ووفقا لأهمية الوثائق التي تمتلكها فهناك دول تقوم بالإفراج عن وثائقها بعد50 سنة وأخري بعد25 سنة فقط علي سبيل المثال.. وفي النهاية يجب أن نعي أن الاعلامي الذي يعمل بمعلومات ناقصة قد يقع في مأزق تشويه الحقائق أو المبالغة في إظهار موضوعات غير حقيقية مما يؤدي الي وجود حالة من البلبلة بين الرأي العام المجتمعي.. الشق القانوني د. حسن جميعي وكيل كلية الحقوق بجامعة القاهرة يشرح إتاحة المعلومات بغير طلبها بحيث تطلق كل وزارة في الدولة المعلومات التي تهم المتعاملين وأصحاب الشأن سواء علي بيان ورقي أو السماح لم يرغب في الحصول عليها بطلب أو الحصول عليها من خلال الإنترنت.. وتتضح أوجه الاستفادة من هذه الإتاحة والشفافية حين تظهر احتياجات المواطنين بصفتهم الشخصية أو بحكم عملهم أو مهنتهم للوصول الي المستند أو البيان.. ويعاون الإعلام في تحقيق تلك الشفافية في المعلومات من جانبين أولهما مايقوم به من نشر البيانات في الأمور المستجدة التي تصدر بها قرارات أو تتعلق بمستندات تهم المتعاملين في الدولة سواء من المقيمين في البلاد أو من خارجها كالمستثمرين الأجانب.. وثانيهما إيضاح أوجه القصور في الإفصاح عن المعلومات الواجب الإفصاح عنها والتي من اللازم تداولها بأن يوجه السؤال الي كل مسئول يمنعها أو يمنع إظهارها علي نحو يسهم في تقليص حجب المعلومات ويفضح من يحاول استخدام سلطاته بما يضعه موضع المسئولية الاجتماعية والأدبية وكذلك القانونية.. والمسئولية القانونية المقررة في معظم تشريعات العالم بشأن تداول المعلومات لمن يحجبها تتراوح بين الغرامة وعقوبة الحبس بوصف أن إتاحة المعلومة التزام قانوني ومنعها جريمة واجبة العقاب بالاضافة الي حق من أضير من حجب المعلومات عنه بالحصول علي تعويض يجبر ويعوض الضرر الذي أصابه من الشخص الذي قام بذلك.. وتتضامن معه مؤسسته أو وزارته في ذلك التعويض.. ويشير د. حسن جميعي في النهاية الي أن سبب التأخير في إصدار مشروع قانون حرية تداول المعلومات هو أنه يكشف بعض عورات الأشخاص فيما يتعلق بحجم الأصول العقارية التي يمتلكونها من آلاف الأفدنة من قطع الأراضي وبالتالي تم تشكيل لوبي( جبهة مضادة) لكبت هذا القانون تماما. كما حدث بالنسبة لقانون المنافسة ومنع الاحتكار حيث إنهم يقفون لمثل هذه التشريعات بالمرصاد لوأدها نظرا لأنها تضر بمصالحهم أو تقلل منها. وهنا يجب أن نشير الي ان كل دول العالم المتقدم تطبق قانون حرية تداول المعلومات ونحن نأمل بعد هذه الصحوة أن يكون مثل هذا القانون علي رأس قائمة أولويات التشريعات الواجب التصويت عليها وإصدارها في مجلس الشعب الجديد فور تشكيله علما بأن مسودته الأساسية قد تم إعدادها بواسطة لجنة ترأسها المستشار سري صيام رئيس المجلس الأعلي للقضاء ورئيس محكمة النقض وكان ذلك منذ سنوات ولاتزال هذه المسودة حبيسة الادراج حتي الآن!!