أنبل ما في بلدنا.. هم شبابنا.. وأجمل وأروع ما في المرحلة التي نمر بها.. أننا نتغير.. وأننا لم نعد نقدس الرئيس.. وزوجة الرئيس.. وأنجال الرئيس.. ونقف وقفة الإجلال أمام طباخ الرئيس. نحن نتغير.. ولن نستسلم للطغاة مرة أخري.. لأن الله معنا وسوف ينصرنا علي الذين يتحدثون باسمه.. وهو يعلم أنهم يكذبون.. ولا يفرقون بين »الرأي« الذي يحتمل الخطأ والصواب وبين »الوحي« المنزل من السماء. وسوف يحمي الله ثورتنا.. لأننا لا ننشد إلا العدل.. ولا نريد لأي طفل في بلدنا.. أن ينام الليل وهو جائع. هذا التغيير الرائع.. هو ثمرة ملايين الشهداء الذين سقطوا علي مدار العقود الطويلة من القهر والظلم والاستبداد.. والتي حولت كل مصري لمشروع شهيد.. منذ ولادته.. وحتي استشهاده. هو شهيد في زمن الحرب.. وشهيد في زمن السلم.. وهو شهيد وهو يدفع ثمن القرارات السياسية الإجرامية.. وهو شهيد وهو يستقل القطارات التي تعبر المزلقانات أو تشب بها الحرائق.. أو يستقل العبارات.. أو وهو يدخل المستشفيات.. أو وهو يسقط حتي أنقاض جبار المقطم.. أو وهو يعيش في العشوائيات.. أو وهو يلقي بنفسه في البحر المتوسط للبحث عن عمل خارج بلاده.. وقصص الشهادة لا تنتهي! ولم يأخذ المصري حقه أبداً.هو مظلوم دائماً.. وليس له منذ عقود طويلة ظهر يحميه من الضرب علي البطن. استشهد في سيناء أكثر من مرة.. ولم يأخذ حقه من النصر والتحرير.. في الوقت الذي أقامت فيه الطبقة السياسية.. المصايف والمشاتي والمنتجعات وملاعب الجولف فوق الأراضي التي حررها بدمه.. ولم تسمح له بأن يحصل علي نصيبه من هواء بلده. وأقام حسني مبارك مملكته في شرم الشيخ.. وقام بتوزيع الأراضي المحررة علي حسين سالم.. ووزع القصور علي الأنجال.. والأنذال.. ولم يحصل المصري علي حقه أبداً. نزيف الشهداء علي أرض العراق.. لم يتوقف.. وفي نوفمبر 9891 وصلت مطار القاهرة.. آلاف النعوش قادمة من العراق. مليون ونصف المليون مصري.. هرعوا إلي العراق سنة 9891 للبحث عن عمل في مشروعات إعادة تعمير العراق.. إثر الحرب مع إيران. أيامها كنا قد استعدنا سيناء.. ولكن حكامنا لم يفكروا في تعميرها.. وسافر ما يزيد علي مليون ونصف المليون من المصريين إلي العراق.. للبحث عن عمل شريف في ظل علاقات ساخنة بين صدام حسين.. وحسني مبارك.. دون أن يكون لها أي منطق وطني أو سياسي. كانت مصر في تلك الفترة.. يحدوها الأمل.. في إقامة مشروعات وطنية للتعمير والبناء.. بيد أن هذا الأمل لم يتحقق بعد أن أعلن صدام حسين عن عزمه علي منح كل فلاح مصري.. خمسة أفدنة من أرض العراق وجاموسة.. وانتشر الخبر في أرجاء القري المصرية وسارع آلاف الفلاحين والحرفيين المصريين لتحقيق حلم الحصول علي لقمة عيش شريفة.. ومنزل يؤويهم.. بعيداً عن وطنهم وأرضهم التي حرروها بالدم.. والاستشهاد. كان الفلاح المصري.. يسافر بتذكرة ذهاب فقط.. ولا يعود.. لأرضه وبلده.. ووطنه مرة أخري. ومن أجل خمسة أفدنة وجاموسة في العراق.. فقدت مصر ثروتها البشرية من الفلاحين الشرفاء.. الشهداء دائماً.. في الحرب وفي السلم.. وفي قطارات السكك الحديدية التي لم تعرف الصيانة لمدة تزيد علي نصف القرن. وفي الوقت الذي كان مطار القاهرة يستقبل نعوش الشهداء من المصريين.. كان حسني مبارك يعود من بغداد بعد كل زيارة لصدام حسين محملاً بالهدايا الثمينة.. ويعود أعضاء الوفد الإعلامي المرافق له بالسيارات المرسيدس. كل مصري في ظل النظام الإجرامي البائد.. كان شهيداً.. يتحرك.. هو شهيد علي قيد الحياة. حكامنا.. لم يكونوا منا.. وكانت تبدو عليهم في الزيارات الخارجية للدول الأجنبية علامات ثراء فاحش.. لا يعرفها زعماء وقادة هذه الدول. في إحدي زيارات حسني مبارك.. لألمانيا.. كان الراحل العظيم موسي صبري بمكتبي »مكتب أخبار اليوم في العاصمة الألمانية القديمة بون«.. وأرسل لي المصور الراحل فاروق ابراهيم مجموعة من الصور.. لأختار منها.. ما سوف نرسله للصحيفة التي بين يديك في القاهرة. وانتقيت بعض الصور.. ومن بينها صورة للسيدة الفاضلة سوزان مبارك مع زوجة الرئيس الألماني ريتشارد فون فايتزكه.. وعرضتها علي الأستاذ موسي صبري.. بناء علي طلبه. قلَّب موسي صبري في الصور.. وأعاد لي صورة السيدة سوزان وحرم الرئيس الألماني.. قائلاً: بلاش دي! تطلعت للصورة مرة أخري.. فوجدت ان حرم الرئيس المصري تتدثر بمعطف من الفرو الفاخر.. في الوقت الذي كانت فيه حرم الرئيس الألماني تتدثر بملابس شتوية.. بالغة التواضع.. وفهمت ساعتها ما يقصده.. ولم نتبادل أي تعليق سوي كلمة من جانبي هي: عندك حق! وما أزال أحتفظ بهذه الصورة.. حتي كتابة هذه السطور. السخيف في الموضوع أن زيارة حسني مبارك.. كانت تسعي لطلب واحد.. هو زيادة المعونات الاقتصادية الألمانية.. لنظامه الإجرامي البائد. أعود لموضوعنا فأقول إن هذا النمط من حكامنا.. لن يتكرر.. حتي لو وصل لسدة الرئاسة أحد رجال تيار الإسلام السياسي.. لسبب بسيط هو أن الحالة الثورية التي اندلعت في 52 يناير الماضي وما شهدناه أثناء الانتخابات البرلمانية الأخيرة.. قد أكدت أننا.. كأمة عظيمة.. قد تغيرنا.. وأن عهود الاستسلام والسلبية وإيثار السلامة.. قد انتهت.. وأننا علي أبواب ثقافة جديدة لن تسمح لحاكم واحد بالانفراد بمصائرنا وأرزاقنا.. وحوله عصابة من المنافقين والعملاء الذين يلتفون حوله حاملين الدفوف والمزاهر.. ويلتصقون.. التصاق الملابس الداخلية بالجسد. عصر الحاكم الملهم انتهي.. لأننا كما قلت.. قد تغيرنا.. ولكننا تغيرنا.. ونحن نحمل تركة من الموروثات الثقافية.. قد تستغرق أجيالاً من الجهد الشاق لغرس قيم الوطنية المصرية.. والخروج من ظلمات الخرافات والجهل والأمية.. ونبذ الأفكار الوثنية لمن يعتقدون أنهم علي الهدي وسواهم في ضلال.. ويتبارون في الفتاوي الجنسية التي تستهدف النيل من حقوق الإنسان. وقد كشفت الأمية عن أنيابها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وعرفنا أن 04٪ ممن لهم حق التصويت.. لا يعرفون القراءة والكتابة.. الأمر الذي ساعد.. علي صعود التيارات التي ترفع الشعارات الدينية بشقيها السلفي والإخواني.. وفوز هذه التيارات بأصوات البسطاء الذين يعتمدون في ثقافتهم العامة علي ما يتلقونه من أفواه أرباب العمائم الصغيرة في المساجد والزوايا النائية.. الذين لم يحصلوا علي الحد الأدني من الثقافة العامة.. وتوقفت مداركهم عند قضايا الحلال والحرام.. ومع ذلك فسوف ننتصر.. لأن الله معنا.. وأنه لن ينزع الأمل من قلوبنا.. ولن يتخلي عنا!