من المبكر معرفة النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية لانها لم تنته بعد وجرت فقط في ثلث المحافظات.. لكن نتائج الجولة الاولي للانتخابات تشير بأن الاخوان ومعهم السلفيون سوف يشكلون الكتلة الاكبر في البرلمان القادم. لم يعد يجدي الان حديث البعض الذي مازال مستمرا لتفسير ذلك بان الانتخابات جرت في موعد غير مناسب أو بأن التجاوزات التي تورط فيها مرشحو الاخوان والسلفيين قد جلبت لهم اصواتا ليست لهم، خاصة تلك التجاوزات المتعلقة باستخدام الدين لاستمالة الناخبين وتحريضهم ضد منافسيهم.. فقد يكون ذلك بالفعل ساهم بالفعل في زيادة حجم النجاح الانتخابي للاخوان والسلفيين، لكن السبب الاساسي لهذا النجاح كان ما وقع فيه منافسوهم انصار الدولة المدنية من اخطاء. فهذه الاخطاء كانت فادحة لانها تمت علي المستوي الاستراتيجي والتكتيكي واثارت الشكوك لدي الناخبين فيهم ودفعهم لاختيار مرشحي الاخوان والسلفيين خاصة ان عنصر الثقة يلعب دورا مهما في اختيارات الناخبين. ولعل الخطأ الاستراتيجي الاهم الذي وقع فيه الليبراليون سواء ممن ينتمون إلي القوي السياسية والاحزاب القائمة أو من الشباب الذين اثروا العمل المستقل، يتمثل في الاصرار علي خوض معركة ضد المجلس الاعلي للقوات المسلحة والانشغال بالتجييش السياسي والاعلامي جماهيريا لها.. بينما نسوا ان اهداف الثورة التي شاركوا فيها أو ايدوها تضعهم في مواجهة مع الاخوان والسلفيين وليس مع المجلس الاعلي للقوات المسلحة.. وقد كانت تتيجة هذا الخطأ الاستراتيجي مزدوجة.. من جانب انحسار تأييد أو التفاف المواطنين العاديين من هؤلاء الذين يخوضون المعركة ضد المجلس الاعلي للقوات المسلحة نظرا لان هؤلاء المواطنين العاديين يحملون قدرا من التنوير والاحترام للجيش بل منهم من يحبذ استمرار الجيش لفترة اطول في ادارة شئون البلاد حتي يضمن الاستقرار والامن لها.. ومن جانب اخر بدأ هؤلاء الليبراليون جهودهم، في الوقت الذي كان الاخوان والسلفيون يسعون بكل الطرق والوسائل للتقرب من الناخبين وكسب اصواتهم عندما يحين موعد الانتخابات.. وهذا يعني ان الليبراليون خاضوا المعركة الخطأ في الوقت الخطأ بل لقد بلغ البعض منهم درجة من السذاجة السياسية، حينما انخرطوا في دعوة الاخوان والسلفيين للتوحد معهم ضد المجلس الاعلي للقوات المسلحة لانهاء حكم العسكر.. وكم كانت فرحة هؤلاء بالغة بالتعاون ميدانيا مع قطب سلفي وانصاره مثل المرشح لرئاسة الجمهورية حازم ابواسماعيل، رغم اعلانه تأييد الدولة الدينية. اما الاخطاء التكتيكية للتيار الليبرالي أو انصار الدولة المدنية فهي عديدة.. وربما كان اولي هذه الاخطاء هو حبس هؤلاء انفسهم داخل مدينة الانتاج الاعلامي، والتنقل بين الفضائيات المختلفة، وعدم التواصل مع الناخبين من المواطنين العاديين في القري والنجوع والكفور والاحياء الشعبية والمناطق العشوائية في المدن مثلما فعل انصار الدولة الدينية.. حتي الاحتشاد في ميدان التحرير وميادين اخري في مدن غير القاهرة ثبت انه لا يغني عن التواصل المباشر مع الناخبين.. تواصل لا يحمل املاء عليهم للرؤي والمواقف.. انما يشرح لهم هذه الرؤي والمواقف.. أو تواصل يستهدف طمأنتهم وكسب ثقتهم.. وهذا ما انشغل به الاخوان والسلفيون طوال الوقت منذ اعلان نتيجة الاستفتاء علي التعديلات الدستورية وقبل تحديد موعد الانتخابات البرلمانية أو الاستقرار علي القانون الذي ينظمها او تحديد الشكل الذي ستتم به »فردي أو قائمة أو مختلط«.. بل ربما ساهم بعض انصار الدولة المدنية في اثارة شكوك الناخبين من المواطنين العاديين من خلال الافراط في استخدام سلاح النظام والاعتصام، خاصة بعد ان اقترن استخدام هذا السلاح بما لا يرضي المواطنين العاديين ويتعارض مع مصالحهم الآنية المباشرة.. واخطر شيء يقوم به سياسي أو ثوري هو ان يسبق الجماهير بمسافة بعيدة.. فهو بذلك ينعزل عنهم ولا يقودهم كما يبغي.. والثقافة الثورية مازالت تتذكر ما ردده جيفار حول ان الثوري بالنسبة للجماهير كالسمك بالنسبة للماء اذا تركه يموت. وهكذا.. لم يبتعد الليبراليون وانصار الدولة المدنية عن الناخبين فقط. وانما اثاروا وهم مبتعدون عنهم القلق لدي هؤلاء الناخبين، مما دفعهم لاختيار غيرهم عندما حان وقت التصويت في الانتخابات خاصة ان هذا الغير تمكن من اقناعهم بتصرفاته انه حريص علي مصلحتهم. وياليت الامر اقتصر علي هذه الاخطاء فقط، بل انه اتسع ليشمل خطأ تكتيكيا قاتلا تمثل في عدم انخراط كل القوي المؤيدة للدولة المدنية في تحالف واحد يضمن تنسيقا لقوي قواهم واحزابهم ومرشحيهم ويوفر لهم قوة تصويتية اكبر في مواجهة الاخوان والسلفيين.. فقد اخفقت محاولات هذا التحالف في البداية تحت وهم تحالف شامل يضم الليبراليين مع الاخوان والسلفيين وبقية مؤيدي الدولة الدينية أو الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية. ثم بسبب خلافات ترتيب القوائم نظرا لمغالاة البعض في تقدير قوته.. وهكذا بدلا من أن يتنافس الليبراليون مع الاخوان والسلفيين فانهم نافسوا أنفسهم، وبالتالي منحوا الفرصة للاخوان والسلفيين ليستفيدوا من ذلك انتخابيا.. ونتيجة لهذه الاخطاء اختار الناخبون الذين اقتربوا منهم حجبوا اصواتهم عن الذين ابتعدوا عنهم.. فلن تكسب ثقة ناخب وأنت بعيد عنه حتي ولو اقسمت له انك تعمل لمصلحته. وبهذا المعني اهدي الليبراليون الاخوان والسلفيين كثيرا من المقاعد البرلمانية التي حصدوها في المرحلة الاولي للانتخابات.. وهنا لا يجب ان يلوم الليبراليون المجلس الاعلي للقوات المسلحة لانه أصر علي اجراء الانتخابات في موعدها وهم غير جاهزين. ولا يجب ان يلوموا ايضا منافسيهم من الاخوان والسلفيين لانهم فعلوا كل ما في وسعهم - سواء القانوني أو غير القانوني - لكسب اصوات الناخبين.. انما يتعين عليهم ان يلوموا انفسهم أولا علي ما ارتكبوه من أخطاء. واذا اراد الليبراليون تحسين اوضاعهم الانتخابية في المرحلتين الثانية أو الثالثة فعليهم تدارك اخطائهم الاستراتيجية والتكتيكية.. أو عليهم صياغة علاقة مختلفة مع المجلس الاعلي للقوات المسلحة ومع بعضهم البعض.. علاقة تعاون لا علاقة صراع، خاصة انهم يحتاجون هذا التعاون في موضوع تشكيل اللجنة التي ستصوغ الدستور.