انتهت أمس المرحلة الأولي لانتخابات أول مجلس شعب بعد ثورة 52 يناير وهي تمثل العدد الأكبر من المرشحين والناخبين بين المراحل الثلاث التي سوف تستغرقها هذه الانتخابات . وحتي تتوافر كل المقومات الديمقراطية اللازمة لإتمامها فإنه لابد من تدارس السلبيات لتجنب تكرارها في المرحلتين الباقيتين.. ان هذه الجدية هي الوسيلة الوحيدة كي تحظي الدولة واللجنة العليا للانتخابات بثقة الشعب وان تتوافر لهذه الخطوة التي تعد مؤشرا لسلامة المسيرة الديمقراطية منذ بدايتها- النزاهة والشفافية والمصداقية . ومن الضروري لتحقيق هذه الثوابت التزام أجهزة الدولة وبالأخص العاملين في لجنة الإشراف بالحيادية التامة منذ لحظة الإدلاء بالأصوات وحتي انتهاء الفرز واعلان النتائج. الاخبار المتداولة تشير إلي قيام أجهزة الاعلام ومنظمات المجتمع المدني بالإضافة إلي الرقابة الشعبية برصد العديد من التجاوزات والممارسات المخالفة للقانون والقواعد المنظمة للانتخابات المنوط بها المعالجة الفورية لتحقيق العملية الانتخابية بما يضمن تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين الأطراف المتنافسة وعدم الإخلال بمبدأ المواطنة والأمن القومي . ان مخالفة القانون والإخلال بهذه القواعد يستحق اجراءً عاجلا بعيدا عن أي تواطؤ أو تساهل حتي يتأكد الجميع بأن لا أحد فوق القانون. لابد ان يدرك الجميع أهمية ان تعكس هذه الانتخابات بصدق الإرادة الشعبية دون تزوير أو تدليس أو انحياز.. في هذا المجال لابد من اللجوء للاعلان عما تم اتخاذه من اجراءات ضد عمليات ممارسة الدعاية في اللجان الانتخابية وتوزيع المنشورات وقوائم بمرشحين معينين ينتمون لاتجاه معين وكذلك استخدام شعارات ممنوعة . كما ان علي الأجهزة المعنية وبالأخص وزارة الأوقاف والأزهر الشريف معاقبة المنتسبين إلي أجهزتها وظيفيا وتوقيع العقاب الرادع علي أي ممارسات دعائية يقومون بها تستهدف التأثير علي الصوت الانتخابي. من ناحية أخري كان هناك ترحيب شعبي بالمعالجات الإجرائية للتأخير في بدء التصويت ببعض اللجان وهو ما تمثل في مد الموعد إلي الساعة التاسعة مساء بدلا من السابعة - كما كانت هناك شكاوي من جانب بعض الناخبين بالعديد من اللجان فيما يتعلق بتوزيع استمارات التصويت دون ختم اللجنة العليا للانتخابات وهو الأمر الذي يؤدي قانونا إلي ابطال الأصوات التي تستخدمها. ولمعالجة هذا الوضع تم اصدار التعليمات باعتماد الاستمارات الخالية من الأختام في حالة توقيع القاضي رئيس لجنة الإشراف علي كل استمارة . من المؤكد ان اجراء الانتخابات علي يومين بالنسبة للمرحلة الأولي قد اعطي فرصة لمعالجة السلبيات التي ظهرت وكذلك الشكاوي التي أكدت الحرص الشعبي علي ان تتسم العملية الانتخابية بأكبر قدر من الشفافية. ومن الضروري الحسم في مواجهة أية مخالفات في ممارسة المسئولين باللجان الانتخابية لمسئولياتهم بحيث تشمل إبعاد كل من شاب آداؤه أي شبهة وأن يتم ذلك بعيدا عن المجاملات أو التراخي في اتخاذ الاجراءات اللازمة.. مع مراعاة ألا يتم الاستعانة بأي من هذه العناصر في المرحلتين الثانية والثالثة. كما أرجو أن يؤمن الجميع ناخبون ومرشحون خاصة أبواقهم ومن يدور في فلكهم بأهمية ارضاء الله والضمير والانتماء الوطني لكل ما يقومون به في إطار العملية الانتخابية وان تتسم سلوكياتهم بالوعي والولاء للوطن وليس لأي أحد آخر . عليهم أن يقدروا ان ما يقومون به هو من أجل أولادهم واحفادهم وبناء المستقبل المأمول لوطنهم.. ان أي مخالفة لا تتفق مع هذه المبادئ تعني خيانة لهذا المستقبل والاطاحة بالأبناء والاحفاد إلي المجهول. كم اتمني ان يكون إتمام هذه المرحلة الأولي للانتخابات بالصورة الحضارية التي نتطلع إليها جميعا دعوة للعمل من أجل انهاء مناخ الفوضي وعودة الأمن المفقود إلي الشارع حتي تطمئن النفوس.. من الطبيعي ان يكون النجاح الذي تحقق لهذه المرحلة تشجيعا للتوافق علي تشكيل حكومة الدكتور كمال الجنزوري بما يفتح الباب أمام التحرك نحو معالجة المشاكل التي تهدد أوضاعنا الاقتصادية بالانهيار. علي ضوء بدء خطواتنا نحو الديمقراطية لم يعد هناك ما يدعو إلي عدم استعادة الثقة المفقودة بين القائمين علي الحكم والشارع . مطلوب وبدافع من الحس الوطني ان تتضافر كل الجهود من أجل عبور أزمتنا وان نساهم جميعا باخلاص من أجل عودة الاستقرار. إن أملنا ان تكون هذه الانتخابات بكل مراحلها تجربة ايجابية للمستقبل الديمقراطي السليم . أملنا ان تؤدي هذه التجربة إلي افراز عدد أقل من الاحزاب القادرة علي تحمل مسئولية قيادة مصر في ظل تداول للسلطات وان لا يزيد المؤثر منها في حياتنا السياسية عن ثلاثة أو أربعة أحزاب . ولا يفوتني مع انتهاء المرحلة الأولي للانتخابات التي ارجو ان تحقق آمال الغالبية بصدق- ان أعبر عن سعادتي الغامرة بهذا الحماس والاقبال الذي شهدته من جانب جموع الشعب وهو الأمر الذي يعطي إحساسا بانها ستكون بداية طيبة لبناء المستقبل.