أربعة من مرشحي الرئاسة.. وتحالف الإخوان والسلفيين.. والجماعة الإسلامية.. والنور.. كانوا وراء المليونية الأخيرة التي أشعلت الحرب في ميدان التحرير.. وهم الذين قادوا حملات العداء ضد رموز الدولة.. ونشروا ذلك علي الملأ.. ولم يحاسبهم أحد.. ولم يقدموا للمحاكمة بتهمة التحريض علي الفوضي.. وإلحاق الخسائر الفادحة بالاقتصاد الوطني.. وبذلك أصبحت المليونيات.. عندنا.. أشبه باستخدام الرئيس الأمريكي هاري ترومان للقنبلة الذرية.. وبداية عصر الإرهاب النووي. لقد حصلت واشنطن علي تكنولوجيا صناعة القنبلة الذرية.. بعد أن أوشكت الحرب العالمية الثانية أن تضع أوزارها.. ومع ذلك فقد استخدمتها في قصف هيروشيما.. وناجازاكي في اليابان في السادس من أغسطس سنة 5491.. ليس لكي تكسب الحرب.. وإنما كي تعلن سيادتها علي العالم.. وأنها القوة العظمي التي يتعين أن يحسب حسابها.. وقد تحقق لها هذا الهدف لسنوات طويلة.. اكتسبت خلالها شرعية توجيه السياسة الدولية.. بحكم حيازتها للقنبلة الذرية.. وقوة الردع.. لم تكن أمريكا في حاجة لاستخدام هذا السلاح المدمر.. وإنما هي استخدمته.. لتعلن أنها تملكه.. وهذا من وجهة نظرها كان يكفي! وبعد لحظات من قصف هيروشيما وناجازاكي توجه جنرالات الجيش الياباني للامبراطور هيروهيتو.. وطالبوه بالاستسلام.. لأن الاستمرار في الحرب يعني فناء الأمة اليابانية.. وربما نهاية الحضارة الإنسانية.. واستسلم الامبراطور.. معترفاً بالهزيمة. وكانت الجملة السائدة في تلك الأيام.. هي »الإرهاب الذري«! الآن تقف قيادات تيار الإسلام السياسي.. بعد تجربة المليونية الأخيرة.. وما أحدثته من دمار.. في موقف يتشابه مع الموقف الأمريكي. فهي في الواقع لم تكن في حاجة لاستخدام المليونية.. لإسقاط وثيقة السلمي.. وإنما هي استخدمتها لتوجيه رسالة لجميع القوي الوطنية.. بما فيها المجلس العسكري وأجهزة الشرطة.. بأنها تملك سلاحاً مدمراً.. لا قبل للقوي الأخري به.. وأنها تستطيع تحريك وحشد ملايين البشر في كل أرجاء المعمورة.. وشل حركة الدولة، وإهدار هيبتها.. كلما.. عني.. لها ذلك وفي الوقت الذي تختاره وفق المعايير التي تراها. نحن إذن أمام قوة..، تعلن عن نفسها.. بالتلويح بالمليونيات وبقدرتها علي تهديد حياة ملايين البشر.. وإهدار قدراتهم علي العيش والإنتاج واكتساب الأرزاق بالحلال.. وفوق ذلك كله إرهاب الدولة.. بكل أجهزتها وسلطاتها، وأنها تستطيع الإطاحة بالنظام القائم في أية لحظة، مستثمرة الأوضاع المتفجرة التي ورثناها عن النظام الإجرامي البائد.. طوال الثلاثين سنة الماضية. وكما كان استخدام أمريكا للقنبلة الذرية سنة 5491.. هو مجرد رسالة تعلن فيها عن القوة الخارقة.. وتخويف الخصوم.. فإن المليونيات التي نشهدها في مصر.. هي رسائل يوجهها تيار الإسلام السياسي ليس فقط من أجل إبداء القوة الخارقة.. ولا التخويف.. وإنما يضاف إليها.. كما في الحالة الأمريكية.. إلغاء لغة الحوار واستبدالها بالتلويح باستخدام المليونيات.. والانتقام من المجتمع ككل. ونذكر هنا أن الزعيم السوفيتي خروشوف.. لوح باستخدام الأسلحة الذرية إبان أزمة السويس سنة 6591.. كما لوح الرئيس الأمريكي كيندي باستخدام الأسلحة نفسها إبان الأزمة الكوبية التي عرفت ب»خليج الخنازير« سنة 2691.. وفي الحالتين نجحت عمليات التلويح بالقوة الذرية في تحقيق أهدافها.. بالإرهاب الذري! في الحالة المصرية.. يبدو التلويح بالمليونيات أكثر خطورة لسبب بسيط هو أنه يقضي علي ثقافة الحوار.. وإثراء النقاش حول قضايا الساعة، وتقديم القدوة للأجيال الجديدة التي لم تعرف ثقافة الحوار منذ سنوات بعيدة.. فنحن نمر بمرحلة انتقالية.. من نظم سياسية متعاقبة مسيطر عليها فكر واحد.. إلي نظام سياسي جديد.. عصري.. ديمقراطي.. مدني.. يجري فيه تبادل السلطة وفق قواعد ثابتة ومتفق عليها.. وبالتالي فليس من المقبول تحويلها من مرحلة انتقالية إلي مرحلة انتقامية.. يسعي كل طرف فيها للانتقام من الطرف المنافس بأساليب وثقافة النظم القديمة البائدة.. وبالتالي فإن التلويح بالمليونيات.. لا يخدم ثقافة الحوار المجتمعي.. بل هو يكرس الثقافة التي كانت سائدة طوال سنوات النظام الإجرامي البائد.. الذي كانت تصدر فيه السياسات بالتوجيهات الرئاسية.. في ظل غياب كامل لثقافة استخدام العقل والمنطق.. بالحوار البناء علي نحو ما يجري في الأمم الناهضة التي نستورد منها طعامنا وأرزنا وعدسنا وبصلنا.. ومعها فوانيس رمضان.. هذا العصر يجب أن ينتهي.. ليس فقط باختفاء رجاله.. وزبانيته.. وإنما باختفاء الثقافة التي كانت تدار بها البلاد.. إذ ليس من المعقول.. بعد اندلاع الحالة الثورية المجيدة التي نمر بها.. أن تستمر الثقافة القديمة.. بأسماء جديدة.. ويحل الفساد الجديد محل الفساد القديم.. وتحل الديكتاتورية الجديدة محل الديكتاتورية القديمة.. المليونيات التي تهددنا بها بعض جماعات الإسلام السياسي.. تهبط بسقف التوقعات والآمال التي واكبت الحالة الثورية.. إلي أدني المستويات.. وباتت تشيع بين الناس ثقافة الفوضي وإلغاء العقل.. وإهدار هيبة جميع رموز الدولة. فمن المفارقات اللافتة للانتباه.. علي سبيل المثال.. أن قوات الشرطة المنوط بها حماية أمن المواطنين.. وتوفير الأمن والأمان الذي يسمح بإعادة البناء والعمل والاجتهاد.. باتت مشغولة بالدفاع عن نفسها أمام جحافل العناصر.. التي لا يمكن أن تنتمي لهذا الوطن العظيم.. وهي الجحافل التي تسعي جاهدة لاقتحام مبني وزارة الداخلية ومهاجمة أقسام الشرطة.. من أجل إتاحة الفرصة لعصابات اللصوص حتي تسرق المواطنين في الشوارع وتنهب المتاجر.. وترتكب جميع المخالفات التي لا يقرها.. الدين.. أو العقل أو القانون. الاعتداء علي قوات الشرطة.. ووضع هذه القوات في مواقع الدفاع عن النفس.. لا تخدم الوطن.. ولا تحقق الاستقرار اللازم لإعادة البناء أو توفير لقمة الخبز لعشرات الملايين من البسطاء.. وإنما هي تخدم عصابات اللصوص والنشالين والخارجين علي القانون الذين يمارسون أعمالهم الإجرامية علي مدار الساعة.. في وطن انشغلت فيه قوات الأمن بالدفاع عن نفسها في المليونيات العشوائية.. التي تدمر الأسس التي تقوم عليها الدول الساعية نحو التقدم والرقي والاستقرار. المليونيات العشوائية.. التي أطاحت بثقافة الحوار.. هي التي أهدرت الصورة المشرفة.. التي بدت عليها الحالة الثورية التي اندلعت في ميدان التحرير في 52 يناير الماضي.. وأفسدت الصورة التي خرجنا بها إلي العالم.. وكانت مضرب الأمثال في الوطنية الجارفة.. والوحدة الوطنية.. والتوافق الشعبي علي الإطاحة بالنظام الإجرامي البائد. وإذا تأملنا الوجوه التي خرجت في المليونيات الأخيرة نجد أنها لا تمت بأدني صلة للوجوه التي رأيناها في الأيام الأولي لاندلاع الحالة الثورية في يناير الماضي.. الذين خرجوا في المليونيات الأخيرة وأحرقوا عربات الشرطة والقوات المسلحة.. لا ينتمون لتراب هذا الوطن العظيم الذي ننتمي إليه.. وإنما هم أدوات تخريب لا يقلون في خطورتهم عن القنابل الذرية التي ألقيت علي هيروشيما وناجازاكي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. إنهم دعاة الإرهاب الجديد. الإرهاب بالقنابل المليونية!