أصبح واضحا لكل ذي عينين، بعد المليونية الرائعة يوم الجمعة الماضي، التي دعت إلي إسقاط وثيقة السلمي ومن يقف خلفها، وطالبت بتحديد موعد نهائي لتسليم السلطة إلي حكومة مدنية، وإنهاء ولاية المجلس العسكري علي البلاد، أن الشعب المصري قادر علي حماية أهداف ثورته وانتزاع حقوقه، وأنه جاهز دائما للوقوف في وجه بعض المغامرين بمستقبل الوطن. إن البعض ممن عاشوا في ظلام الاستبداد وزمن القهر والفساد، لا يزال يؤمن بسياسة فرض الإرادات والإملاءات، ويتصور أن الشعب المصري الأبي لا يزال أضعف من أن يحمي حقوقه واختياراته، وأن يدافع عن حريته وكرامته التي ضحي من أجلها طويلا، ولا تملك جهة أو هيئة مهما كانت قوتها وسطوتها أن تجبره علي التخلي عنها، وأقول لهؤلاء العابثين بمستقبل الوطن: لقد ارتكبتم خطأ جسيما في حق هذا الوطن، ووقفتم في نفس المربع الذي ثار الشعب الحر ضده. وأعتقد أن مليونية الجمعة الماضية أثبتت بوضوح يقظة ووعي المصريين جميعا بما يجري، وأكدت أننا جاهزون دائما للوقوف في وجه سياسة الإملاءات والمماطلة والتسويف، وأننا ما ضحينا بالشهداء والجرحي إلا ليتحرر هذا الوطن الغالي من الفساد والاستبداد، والمطلوب الآن هو تأمين إجراء الانتخابات البرلمانية في أسرع وقت، وحشد أكبر عدد ممكن من الناخبين للإدلاء بأصواتهم، كهدف ثوري يعمق من مكتسبات الثورة، حتي نتخلص من حالة الفوضي الحالية. وليكن الهدف العاجل لكل القوي والأحزاب والتيارات السياسية والإسلامية ألا تقل المشاركة في الانتخابات عن 75٪ من أعداد الناخبين المسجلين، أي أكثر من 35 مليون مواطن مصري يشارك في صنع المستقبل، وقد نجحنا في الاستفتاء الأخير في الوصول إلي نصف هذه النسبة، بعد حوالي ستين عاما من التهميش والتزوير والسلبية، وأعتقد أن الانتخابات البرلمانية الحالية أمامها فرصة أكبر للمشاركة الجماهيرية بكثافة، لأن هناك أسماء كثيرة مشاركة لها تاريخها وشعبيتها. وأعتقد أن المشاركة بقوة جماهيرية مؤثرة في الانتخابات الحالية، التي تبدأ مرحلتها الأولي يوم الإثنين المقبل، هي حماية عملية طبيعية للعملية الانتخابية من أي احتمال لإفسادها، وهي أبلغ رد علي من يزعمون أن هذا الشعب سلبي ويفرط في حقوقه بسهولة، وهي تأكيد أيضا علي حماية أهداف الثورة من المستبدين، الذين يحاولون خطف القرار، وأعتقد كذلك أن هذه الانتخابات سوف تكشف إلي حد كبير، ولأول مرة، عن الأوزان النسبية للقوي والتيارات السياسية في مصر. وفي تقديري أن تأمين العملية الانتخابية هو أهم الواجبات الآن، بداية من الإدلاء بالأصوات وحتي الانتهاء من إعلان النتائج، خصوصا في مرحلتها الأولي، التي هي كاشفة لما بعدها، سواء من قبل أجهزة الشرطة أو قوات الجيش أو المتطوعين في اللجان الشعبية، وهو اختبار حقيقي للمسئولين الآن في السلطة، سواء في الحكومة أو في المجلس العسكري، ومدي حرصهم علي الخروج من هذه المرحلة بأسلوب حضاري، وتأسيس أول برلمان حقيقي يعبر عن شعب مصر بعد الثورة. وأتمني أن تعلن كافة القوي والتيارات السياسية والإسلامية المشاركة في الانتخابات من الآن، وبكل وضوح وشفافية، التزامها الكامل بالنتائج التي تفرزها الصناديق، والقبول بها أيا كانت، ما دامت استوفت المعايير الدولية من النزاهة وصحة الإجراءات والشفافية، فهي في النهاية اختيار الشعب، الذي يجب احترام خياراته وقناعاته، ومن لم يستطع أن يحقق ما يصبو إليه في هذه الانتخابات، فأمامه المستقبل مفتوح وممتد. إن جميع الشعوب العربية والإسلامية، بل وشعوب العالم الحر تتطلع إلي ما يجري في بلادنا، بكل أمل وشوق إلي المستقبل المشرق.