ورقة المبادئ الدستورية للدكتور علي السلمي ارادها الإخوان وحلفاؤهم من القوي الدينية فتنة سياسية، وكان لهم ما أرادوا!.. فهم يضمرون رغبة في الهيمنة علي صياغة الدستور الجديد وعلي البلاد كلها.. لكن الغريب ان ترفض بعض القوي الليبرالية - أو هكذا تدعي - علي ايقاعات الإخوان في هذا الصدد.. ربما ليجدوا لانفسهم مبررا قويا للتواجد المستمر في الشارع، رغم ان اللجان الانتخابية صارت هي المكان الأكثر تأثيرا في صياغة مستقبل البلاد الآن! وباسم الشعب وحماية لارادته التي لا يعلو عليها أي شيء تحجج الإخوان وحلفاؤهم من القوي الدينية في رفض ورقة د. علي السلمي.. فهم يرون أن الشعب هو صاحب القول الفصل من خلال ممثليه، الذين سوف يختارهم خلال الانتخابات القادمة في تشكيل اللجنة التي سوف تصوغ الدستور الجديد، وبالتالي سيكون هو صاحب القول الفصل في هذا الدستور وتوجهاته.. ولا يصح أن يفرض شيئا من قبل شخص أو مجموعة أشخاص أو حتي عدة قوي سياسية شيئا علي الشعب وممثليه في هذا الصدد. وهذه الحجة التي يبرزها الإخوان لرفض هذه الرؤية هي حجة زائفة.. فالقوي السياسية التي يسعي د. علي السلمي وغيره للحصول علي توافقها حول مبادئ عامة يتعين الحرص عليها في دستورنا الجديد، هي ذات القوي التي تتنافس الآن فيما بينها علي الفوز بثقة الشعب لتمثيله في البرلمان.. ولن يخرج من سيختاره الشعب في الانتخابات البرلمانية عن نطاق قوائم المرشحين من هذه القوي فيها.. وهكذا إذا التزمت مسبقا هذه القوي بهذه المبادئ فهي ستكون مطالبة بالوفاء بالتزامها هذا بعد دخول البرلمان. وهذا هو كل المطلوب، وما يسعي اليه السلمي منذ ان شكل لجنة لاعادة صياغة ورقة المبادئ الدستورية من كل الاجتهادات المتعددة السابقة في هذا الصدد. اذن.. أين هي المصادرة علي ارادة الشعب فيما قام به علي السلمي؟.. ألم يسبق للإخوان ان بادروا باعداد ورقة للتوافق حولها مع القوي السياسية تشبه في جوهرها ورقة السلمي؟.. وألم يسبق أن أعلن عدد من قادتهم انهم مستعدون للتزامن بما يتم التوافق عليه مع القوي السياسية الأخري إذا ما فازوا في الانتخابات، وأعلنوا ان كل ما يرفضونه هو ان تصور هذه الورقة في شكل اعلان دستوري جديد من المجلس الأعلي للقوات المسلحة؟ وألم يسبق أيضا أن وافق الإخوان علي المبادئ العامة للدستور التي تضمنتها ورقة السلمي في اجتماع معلن مع رئيس الأركان؟.. وإذا كان السلمي أضاف مادتين جديدتين لهما، وهما المادتان 9 و01 الخاصتان بالقوات المسلحة وميزانيتها، فكان في امكانهم فقد رفضهم علي هاتين المادتين فقط، وليس اثارة كل هذه الضجة الواسعة، وتوجيه الانذارات للمجلس الأعلي للقوات المسلحة لكي يتبرأ من هذه الورقة، وللحكومة لكي تسحبها وتقيل نائب رئيس الوزراء الذي سحبت الورقة باسمه، رغم انها حصيلة اجتهادات متنوعة عديدة سبقتها.. وفوق ذلك فإن السلمي بادر بإعادة صياغة هاتين المادتين. ولماذا يقحم الإخوان المجلس الاعلي للقوات المسلحة في هذا الامر وهو الذي سبق وأعلن انه لن يصدر اعلانا دستوريا جديدا بورقة السلمي إلا في حال حدوث توافق عليها.. وحتي اذ اصدر مثل هذا الاعلان الدستوري فإن الاخوان وغيرهم يعرفون انه ليس ملزما إلا أدبيا فقط لمن سيقومون بإعداد الدستور الجديد؟! انها في الأغلب الانتخابات التي يخوضها الإخوان بقوة.. فهم يعتمدون تكتيما انتخابيا رأوا فيه ذا جدوي لدي الناخبين.. حيث يتقدمون للناخبين بوصفهم أقوياء سيكونون هم أصحاب الكلمة الأعلي في السلطة الجديدة.. فهم يراهنون علي أن هناك قطاعا من الناخبين يجتذبه الأكثر قوة ونفوذا! وهذا يفسر تخليهم عن لهجتهم الرقيقة التي كانوا يتحدثون بها من قبل مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة واستبدالها بلهجة خشنة، لا تخلو من غمز ولمز وتهديد ووعيد، بل وتحريض أيضا. هذا من جانب.. أما الجانب الآخر فإن الإخوان يراهنون علي الفوز بالكتلة الاكبر في البرلمان.. وبالتالي يحاولون منذ الآن صياغة العلاقة المستقبلية مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة في إدارة شئون البلاد خلال الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية.. حيث سوف يسترد البرلمان من المجلس سلطة التشريع، وسيكون له القدرة علي منح الثقة او سحبها من الحكومة الجديدة التي سوف يشكلها المجلس الأعلي للقوات المسلحة بوصفه يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية.. ويريد الاخوان مبكرا قبل بدء الانتخابات ذبح القطة للمجلس حتي يفرضوا ارادتهم عليه، خاصة انهم افصحوا عن رغبتهم في التبيكر بانتخابات رئاسة الجمهورية وقبل إقرار الدستور الجديد. وهكذا.. الإخوان يحاولون استثمار ورقة السلمي أولا للتأثير في نتائج الانتخابات بالإعلان عن قوتهم وبأسهم.. وثانيا لترتيب توازن لصالحهم مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة خلال ما تبقي من المرحلة الانتقالية، لانهم ينتظرون التشارك معه في ادارة شئون البلاد، تشريعيا من خلال البرلمان، وتنفيذيا من خلال الحكومة التي سيتم اعادة تشكيلها في ضوء نتائج الانتخابات.. وحتي اذا لم ينجح الإخوان في التبكير بالانتخابات الرئاسية للتخلص كاملا من دور المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وهو الأرجح، فإنهم يحاولون أن يظفروا بدور تنفيذي مؤثر ونافذ خلال بقية المرحلة الانتقالية.