ظهر يوم14فبراير2005، كان »رفيق الحريري« في سيارته المصفحة والتي سبق أن استعارها الرئيس الباكستاني السابق: »مشرف« ليركبها في لقاء جماهيري بعد أن سمع عنها من صديقه »رفيق« بأنها مجهزة بأحدث وسائل التأمين والتحصين والتصفيح مقارنة بكل سيارات ملوك ورؤساء ونجوم دول قارات الدنيا الخمس! كان »الحريري« في طريقه إلي منزله عندما اصطدمت سيارة نصف نقل تحمل عدة مئات الكيلوجرامات من المتفجرات بمقدمة سيارته، محدثة انفجاراً أودي بحياة 22 قتيلاً، من بينهم »رفيق الحريري« المستهدف الأول والأخير الذي قضي نحبه قبل وصوله إلي المستشفي. كما سقط أكثر من 100جريح، في تلك المذبحة الوحشية. الصدمة الكبري سمّعت في العالم كله. ومن أول وهلة.. تسابق كثيرون في استباق الأحداث وتطوّعوا بالتأكيد علي أن المذبحة:»عملية استخبارية سورية«! الكاتب، والصحفي، الفرنسي الشهير: »جان لاكوتور« انتقد في كتابه: »هل ماتوا هباء؟!« توجيه الإتهام الفوري لدمشق باغتيال »الحريري« الذي استقال منذ 6شهور، ولم يعد مسئولاً عن الحكم أو الحكومة. مستبعداً أن تكون »الأجهزة السورية« بمثل هذا الغباء. ورغم أن هناك من شارك في هذا الرأي، إلاّ أن »الشائعة« كانت أكبر وأكثر انتشاراً علي المستوي الدولي ناهيك عن المستوي المحلي. وكم سمعنا، وقرأنا، وشاهدنا، من يؤكد »مسئولية دمشق: تخطيطاً، وتمويلاً، وتنفيذاً، عن هذه المذبحة«! في مساء نفس اليوم 14 فبراير2005 ألقي الرئيس السوري »بشار الأسد« كلمة عبر إذاعة دمشق ندد فيها بهذه الجريمة الفظيعة، وأضاف مؤكداً وقوف سوريا حكومة وشعباً إلي جانب لبنان الشقيق في هذا الوضع الخطير. ورغم مبادرة الرئيس السوري إلاّ أن مواساته، ومساندته، ومشاعره الطيبة، للبنان لم تقنع متهمي أجهزته بارتكاب المذبحة. وفي نفس اليوم، أيضاً، أدلي »عبدالحليم خدام« نائب الرئيس السوري، وزير الخارجية السابق، ومؤسس ومهندس التدخل السوري في لبنان واحتلاله ب14ألف عسكري إلي جانب آلاف المدنيين بحديث إلي القناة الإخبارية »العربية«، من منفاه في باريس، أكد فيه أن »الحريري« كان هدفاً في مرات عديدة للاعتداء السوري، وأن هناك الكثير من المعلومات الخطيرة في هذا الشأن. ليس هذا فقط.. بل أن »بشار الأسد« سبق أن »استدعي« رئيس الحكومة اللبنانية »الحريري« ووجه إليه إنذارات مباشرة بتصفيته وتصفية أسرته ما لم يرجع في مواقفه، وسياسته، المعادية لسوريا ووجودها في لبنان (..). ومن أبرز أسباب غضب »دمشق« علي »الحريري« أنه كان معارضاً التمديد لرئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك: »إميل لحود« بناء علي إصرار دمشق، رغم عدم جواز هذا التمديد دستوريا! وحاول »الحريري في البداية الصمود ضد رغبة الرئيس السوري، لكنه وأمام إصرار »الأسد« وتهديداته باستخدام القوة لفرض التمديد ل »لحود« .. اضطر إلي تقديم استقالته من رئاسة الحكومة حفاظاً علي أمن اللبنانيين، واستقرار لبنان. وبعد أن زاد وأعاد »عبدالحليم خدام« في الصراع الرهيب بين »الأسد« و »الحريري« أراد أن يكون له »خط رجعة«، فقال لقناة »العربية« إنه رغم ابتعاده عن دمشق، وإقامته الحالية في العاصمة الفرنسية، إلاّ أنه ما يزال يحتفظ بعلاقته الودية مع الرئيس »بشار الأسد«. وزعم »خدام« أن كل ما رواه في حديثه لا يعني ولا يُفهم منه اتهامه لبلده سوريا بارتكاب جريمة الإغتيال، كما عبر عن تفاؤله بتشكيل لجنة تحقيق دولية تابعة للأمم المتحدة و ناشد الرأي العام العربي والعالمي بانتظار نتائج تلك التحقيقات المنتظر منها الكشف عن أسرار وخبايا جريمة الاغتيال. وبالطبع.. لم تكتف إسرائيل بدور »المتفرّج« لما يجري، ويقال، ويشاع، عن مذبحة بيروت. فسرعان ما حاولت استغلال المأساة ضد عدوتها: سوريا، وتبني شائعة تورطها في الجريمة، وإن حاول وزير خارجيتها آنذاك »سيلفيان شالوم« أن يكون دبلوماسياً، ومتحفظاً، في ترديده، قائلاً: » لا أستطيع أن أقول مؤكداً وقوف سوريا وراء الجريمة، لأن في المنطقة العديد من الجماعات التي لا نستبعد قيام بعضها بارتكابها«. ومن جانبها أيدت قناة »الجزيرة« بعد ساعات قليلة من اغتيال الحريري ما قاله وزير الخارجية الإسرائيلي، بعرض مشاهد من تسجيل »فيديو« لجماعة مجهولة أطلقت علي نفسها اسم: »النصرة والجهاد في سوريا الكبري« تعلن فيه بالصوت والصورة مسئوليتها الكاملة عن ارتكاب المذبحة. أظهر فيديو »الجزيرة« شاباً ملتحياً يقرأ بيان الجماعة التي سمعنا اسمها لأول مرة، ولم نسمعه مرة أخري.. حتي لحظة كتابة هذه السطور وأكد الناطق باسمها أن »البطل« الذي قام بتصفية »رجل السعودية/ الحريري« يدعي:»أحمد أبو عدس«، وذلك إنتقاماً لدماء أخوتنا الشهداء المجاهدين في بلاد الحرمين والمساجد المقدسة! .. وأواصل غداً.