انتهي حكم معمر القذافي الذي دام 24 سنة.. وأصبحنا أمام أربع حالات لرؤساء عرب يسقطون وسط دوي هائل وخاتمة تراجيدية مروعة. فقد انتهي صدام حسين مختبئا في حفرة تحت الأرض، قبل إعدامه شنقا في عام 6002، وهرب زين العابدين بن علي من الغضب الشعبي الي المنفي في السعودية، وأصبح الثالث سجينا في مستشفاه وفي قفص المحكمة، وانتهي الرابع الي الاختباء في أحد مجاري الصرف الصحي قبل قتله والتمثيل بجثته. هكذا يتوالي سقوط الحكام العرب بسرعة غير مسبوقة منذ يناير الماضي، وأصبحت الخيارات مفتوحة للمشهد النهائي الذي سيعقبه إسدال الستار علي بقية الطغاة العرب. وتدور التساؤلات -الآن- حول الدرس الذي ينبغي ان يتعلمه الحكام من سقوط القذافي وموته غارقا في دمائه. المؤكد أن هناك من يتحسسون رؤوسهم بعد الأنباء التي خرجت من مدينة سرت الليبية حول كيفية قتل القذافي. وفي الوقت الحاضر، يصارع كل من بشار الأسد حاكم سوريا وعلي عبدالله صالح، حاكم اليمن، من أجل التشبث بالسلطة. الحاكم السوري قتل، حتي الآن، اكثر من ثلاثة آلاف من مواطنيه.. ومازال متعطشا للدماء.. والثاني قتل ايضا الآلاف من مواطنيه وتعرض لمحاولة تفجير أسفرت عن اصابته بحروق وجراح وخضوعه للعلاج في السعودية.. ولكنه عاد لكي يشدد قبضته علي مقعد السلطة! ومن الواضح ان الاضطرار لترك السلطة.. خيار صعب بالنسبة لشخص اعتاد ان يكون محور الاهتمام ومركز الكون وصاحب القرار الأوحد في بلاده.
يقول جون كول، استاذ التاريخ بجامعة ميتشجان الامريكية، ان الدرس الحقيقي الذي نتعلمه من نهاية القذافي هو ان الشعوب العربية ليست في حالة تمكنها من التعايش مع حكام مستبدين تسيطر عليهم نزعة الإبادة الجماعية لشعوبهم. وهناك أيضا الإرث الاسود لحكم الرجل الواحد، والذي لن ينساه الناس لفترة طويلة بعد رؤيتهم طريقة قتل القذافي. والغريب ان الطغاة يعلنون دائما عزمهم علي القتال حتي الموت -وهو ما فعله صدام حسين والقذافي- وينتهي بهم الأمر الي أن يموتوا هم انفسهم بوسائل مروعة، وتنتهي بموتهم عقود من الإعلام الكاذب والافكار الزائفة.. ويتحولون الي فقاعات من الهواء. هناك حكام يختارون طريقة »عليَّ وعلي اعدائي«، بمعني ان الحاكم سوف ينتقم -قبل رحيله- من الشعب بأكبر قدر ممكن من القتل والتدمير لكي يترك البلد خرابا. وهذا ما يفعله بعد ان ينهار حلمه في خلوده في منصبه وفي بقائه حيا.. في ورثته. هؤلاء الحكام كذبوا طويلا وصدقهم العالم العربي لعقود عندما كانوا يرتدون أقنعة شجعان الأمة وضميرها. ولم يكن المواطن العربي يدرك ان هؤلاء الحكام، هم في حقيقة الأمر، قادة عصابات يحتمون وراء كتائب عسكرية وأمنية تقتل كل خصومهم بلا تردد. وأثبتت التجارب المريرة ان اكثر القادة ادعاء للوطنية والعروبة والإسلام هم -في الحقيقة- أقل الناس صدقا ووطنية وعروبة. ولم يكن القذافي وطنيا ولا قوميا ولا اسلاميا ولا افريقيا ولا إنسانيا، بل كان وحشا يسفك الدماء، ويقتل خصومه ويعتبر انه يجسد ليبيا كلها في شخصه.. حتي قيل إن الرجل مريض بجنون العظمة.
مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة ومنظمات حقوقية أخري، منها منظمة العفو الدولية، تطالب بفتح تحقيق حول مقتل القذافي بعد اشرطة الفيديو والصور التي نقلها التليفون المحمول وتؤكد انه تم القبض علي الطاغية.. وكان علي قيد الحياة. هنا يتمني كل عربي -أولا وقبل كل شيء- أن لا يكون مقتل القذافي قد تم بواسطة طائرة حلف الاطلنطي، وهو الحلف الذي بدأ عملياته الجوية والبحرية في 13 مارس الماضي لكي تستمر سبعة أشهر وحتي الآن، والانباء متضاربة في هذا الشأن والأرجح ان الطائرة الاطلنطية ضربت بالقنابل قافلة قرب مدينة سرت دون ان تعرف ان القذافي كان من افرادها.. ولكن.. ماذا بعد ذلك؟ وكنا نتمني ان نشاهده في قاعة المحكمة في طرابلس يدلي بشهادته حول قتل سجناء »ابو سليم« في ليبيا أو وقائع تفجير طائرة لوكيربي، أو كيفية إخفائه للإمام اللبناني موسي الصدر ورفيقيه، والمنظمات التي كان يمولها في أوربا وافريقيا وامريكا اللاتينية من أموال الشعب الليبي واتفاقياته السرية مع أجهزة المخابرات الدولية والغربية وغيرها من الأسرار، ومنها علاقاته مع نظام الحكم السابق في مصر. وهناك من يري ان مسئولين غربيين كبارا كانوا يريدون بشدة تجنب محاكمة القذافي حتي لا تنكشف أسرار تضعهم في موقف حرج. واذا كان الرأي العام العربي يناضل لإسقاط الطغاة الذين يحكمونه، فإنه لا يريد ان يتحقق ذلك علي يد حلف الاطلنطي أو القوي الأجنبية بوجه عام. والمؤسف ان يتم الاعلان عن انتهاء العملية العسكرية لحلف الاطلنطي في ليبيا من العاصمة البلجيكية.. بروكسل.
المرحلة القادمة في ليبيا تختلف عن المرحلة التي بدأت في 71 فبراير الماضي. والمفترض ان يجري تطبيق خريطة الطريق التي أقرها المجلس الوطني الانتقالي لتشكيل حكومة انتقالية جديدة ثم تشكيل مجلس تأسيسي يتولي وضع دستور مؤقت وقوانين الانتخابات والأحزاب والاعلام وصولا الي اجراء الانتخابات التشريعية بعد 81 شهرا. وعلي الليبيين تجاوز الانقسامات القبلية والسياسية والحيلولة دون تراجع سلطة المجلس الوطني الانتقالي علي الأرض بعد تشكيل العديد من المجالس المحلية والفصائل المسلحة الخارجة عن السيطرة، وخاصة في المدن المحررة. ومن المهام التي تنتظر القيادة الليبية للثورة.. نزع السلاح وإقناع الفصائل المختلفة في المدن والأحياء بتنفيذ هذه الخطوة. والخطر الذي يواجه المرحلة الجديدة في ليبيا قد يصدر من جانب عناصر دينية متطرفة تحاول تنظيم نفسها لكي يكون لها ثقل في الفترة القادمة. كلمة السر الآن: وحدة الشعب الليبي من أجل الديمقراطية.