ما إن أعلن الثوار الليبيون عن مقتل العقيد معمر القذافي متأثرا بجروح أصيب بها أثناء القبض عليه في مخبأه بمدينة سرت، إلا وسارع البعض للمقارنة بين مصيره وما انتهى إليه حال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وخاصة فيما يتعلق بالعثور عليهما في حفرة أو سرداب. ورغم أن مشهد اعتقال صدام والقذافي يبدو متشابها في العلن إلى حد كبير, إلا أن هناك فرقا شاسعا بين مصيرهما, فالأول اعتقل على يد الاحتلال الغاصب, أما في حالة القذافي, فإن الشعب الليبي هو الذي ألقى القبض عليه. بل وهناك من ذهب إلى التأكيد بأن مصير صدام كان أفضل بكثير مما انتهى إليه حال الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ومن العقاب الذي لاقاه القذافي . فصدام رغم الأخطاء الفادحة التي ارتكبها وخاصة ما يتعلق منها باحتلال الكويت واستخدام الأساليب القمعية ضد معارضيه ودخوله في حرب لا طائل منها مع إيران، إلا أنه في نظر كثيرين من العرب يعتبر "شهيدا" قاوم الاحتلال وأعوانه حتى آخر لحظة ولم يقدم على صفقة لإنقاذ نفسه وأبنائه في ذروة التهديدات الأمريكية بغزو العراق . وبعد أن تم اعتقاله، رفض صدام الاعتراف بالمحاكمة التي أجريت له في ظل الاحتلال ووقف شامخا خلف القضبان، بل أن واشنطن سارعت لإصدار حكم بإعدامه حتى لا يكشف المستور حول دورها في تزويد نظامه بالأسلحة الكيميائية خلال حربه مع إيران، كما أن نجليه قصي وعدي وحفيده مصطفى قاوموا القوات الأمريكية وفضلوا الموت على الاستسلام لها بعد تحديد مكانهم . وجاءت لحظة إعدام صدام صبيحة عيد الأضحى المبارك في مطلع 2006 لتكشف الوجه القبيح لأمريكا أكثر وأكثر خاصة أنها لم تراع قدسية هذا اليوم عند المسلمين، بل أن صدام اكتسب تعاطفا واسعا حتى من قبل بعض منتقديه لأنه استقبل الإعدام شنقا وهو شامخ يردد الشهادة . وبصفة عامة، فإن نهاية صدام الذي وضع العراق القوة العسكرية الرابعة في العالم وتحدى أمريكا علانية وهدد بضرب إسرائيل كانت مشرفة في نظر كثيرين لأنه مات هو وأبناؤه وهم يدافعون عن كرامتهم ويقاومون الاحتلال, وذلك على عكس القذافي الذي ظل حتى آخر لحظة يقاتل شعبه ويرتكب أبشع المجازر بحقه, ولذا استقبل نبأ مقتله بفرحة عارمة في ليبيا وفي العالم العربي . وكان رئيس المجلس العسكري لطرابلس عبد الحكيم بلحاج أكد في تصريحات "لقناة الجزيرة" في 20 أكتوبر مقتل القذافي متأثرا بجروح أصيب بها لدى القبض عليه . وجاء تأكيد مقتل القذافي بعد أن أكدت مصادر في المجلس الانتقالي في وقت سابق أنه تم اعتقاله في مدينة سرت مسقط رأسه، وقال المسئول في المجلس عبد المجيد سيف النصر إنه تم القبض على القذافي وهو مصاب في ساقيه, فيما قال أحد الثوار لوكالة "رويترز " إن القذافي كان مختبئًا في موقع تحت الأرض في سرت، وكان يصيح "لا تطلقوا النار لا تطلقوا النار". ومن جهته, ذكر مصدر طبي لوكالة الصحافة الفرنسية أن أبو بكر يونس وزير الدفاع في نظام القذافي قتل وتم التعرف على جثته في أحد مستشفيات مدينة سرت. وجاءت التطورات السابقة عقب إعلان المجلس الوطني الانتقالي تحرير سرت بالكامل بعد تمكن الثوار الليبيين من دخول الحي الثاني في المدينة بعد معارك ضارية مع كتائب القذافي. ورغم أن الروايات تضاربت حول اللحظات الأخيرة في حياة القذافي ما بين إصابته في مواجهات مع الثوار ومصرعه بعد إلقاء القبض عليه أو تعرض موكبه لقصف طائرات الناتو خلال محاولته الفرار إلى مصراتة, إلا أن الحقيقة التي باتت ماثلة للعيان أنه قتل وبدأت صفحة جديدة ناصعة في تاريخ ليبيا بعد عقود من الديكتاتورية.