كثيراً ما يصيبني الزهق والملل وخيبة الرجاء هذه الأيام.. أحيانا من واقع ما أسمع وأشاهد وأطالع من أحوال، وأحيانا حين انتظر ولا أجد، أو اراهن ولا أصادف. لكني مع ذلك - وأتمني أن تكونوا مثلي - لا أركن إلي احباط ولا أستسلم إلي يأس، وأبدا لا أفقد الأمل! ذروة مشاعر الزهو والكبرياء عشناها معاً بعد غروب شمس يوم 11 فبراير الماضي، حين غرب معها عهد وأفل نظام. تفتحت قلوبنا ورودا تفوح بعطر الكرامة، وحلقت نفوسنا طيوراً لا تسقفها سماء. كانت التطلعات هائلة وبدت التوقعات في متناول اليد. الآن بعد مرور 052 يوماً علي قيام ثورة 52 يناير.. نبتت البذور التي غرسها الشباب، ورواها الشهداء، ونما الزرع الذي رعته الجماهير، لكن الحصاد ضنين، والحاصدون أغيار!
غدت التطلعات تساؤلات حائرة: هل هناك أمل، وصارت التوقعات اسئلة عاصفة: إلي أين نحن سائرون؟! كأننا أصحاب أعراف نقف عند الحافة بين تفاؤل يتبدد مذاقه، وتشاؤم له ما يغذيه ملحاً ويطعمه مرارة! مع ذلك الأمل موجود. فنحن قد ودعنا ليلا مظلما، وحل الفجر، لكنه طال واستطال، دون أن تشرق الشمس. غير أن بعد الفجر، لا يمكن لليل أن يعود، ولابد للنهار أن يأتي، حتي لو جاء ضبابياً أو ممطراً أو عاصفاً، فهو نهار. لم يحل النهار بعد.. لأن النظام الذي اسقطته الثورة، يقوم وينهض، ينفض الغبار عن نفسه ويبدل ملابسه. لأن أعداء الثورة طلقاء يعربدون في البلاد، إخلالاً بالأمن، وارهابا للمواطنين، وتحريضا علي تقويض الاقتصاد، وتدبيرا للمؤامرات، وتمويلا للفتن. لأن الثورة تعامل كحادثة عابرة، وليس كحدث استثنائي، ولأننا نقيد الثورة بقواعد القانون، بينما قانون الثورة هو الاستثناء!
من المفارقات أن أول برلمان منتخب بعد قيام الثورة، مرشح بقوة ليكون غير معبر عن جماهيرها! فالذين جاءوا سفاحا إلي مقاعدهم في برلمانات التزوير والتدليس واحتقار ارادة الأمة، يتهيأون للعودة إليها عبر الانتخابات القادمة متسلحين بأدوات المال و العصبيات والبلطجة والتحالفات الانتهازية الضيقة. والذين بشروا بالثورة وفجروها وكانوا وقودا لها عاجزون عن التعامل مع ألاعيب الانتخابات، فهم إذا ارادوا المنافسة علي المقاعد الفردية، لا يمتلكون أموال الدعاية ونفقات الجولات والسرادقات والمؤتمرات، وإذا أرادوا خوض الانتخابات في القوائم، تسحقهم صفقات الأحزاب التقليدية غير الثورية في تحالفاتها وتكتلاتها ، ويجدون أنفسهم - إن وجدوا - في ذيول القوائم، يلعبون دور »المحلل« لثوريتها، ويفتقدون لأي فرص في النجاح.
نحن بصدد انتخابات برلمانية، لا نشك أنها ستكون نزيهة وشفافة في فرز الأصوات ورصد النتائج، ولا نشك أيضا انها ستكون غير ديمقراطية في مجريات الحملة التي ستسبق الذهاب إلي الصناديق. فالنواب السابقون وكوادر الحزب الوطني المنحل يخوضون الانتخابات علي المقاعد الفردية وفي القوائم الحزبية وكأن الثورة لم تقم وكأن حزبهم لم يصدر القضاء حكما بحله لأنه أفسد الحياة السياسية. وقانون الغدر، أو قانون العزل السياسي، أو قانون إفساد الحياة السياسية، كلها حبيسة الأدراج، وإذا صدرت فهي لن تمنع كوادر ورموز النظام السابق من الترشح ومن تمثيل الأمة، وإذا طبقت فلن تصدر الأحكام القضائية ضد الذين أفسدوا الحياة السياسية قبل عامين علي الأقل. أما رؤساء الأحزاب الذين هددوا بمقاطعة الانتخابات لو قلت النسبة المخصصة للقوائم عن ثلثي المقاعد البرلمانية، فقد وجدوا انفسهم عاجزين عن استكمال القوائم، أو خوض الانتخابات في عدد معقول من الدوائر. علي الجانب الاخر.. اكتشفت الجماهير أن نوابهم القادمين المرشحين في القوائم الحزبية، معينون سلفا من جانب رؤساء الأحزاب الذين تولوا ترتيب القوائم واختيار من يتصدرها، وبعضهم من كوادر الحزب الوطني المنحل! والسؤال: هل ينتظر أحد من برلمان غير ثوري أن يختار أنسب الشخصيات التي ستتولي وضع دستور ثورة 25 يناير؟! كيف يرجي من برلمان كهذا أن يضع تشريعات تقنن المشروع الاجتماعي للثورة والمفترض أن ينحاز إلي الفقراء والمعدمين؟! والأهم.. هل يستقيم أن ينوب عن جماهير الثورة، أناس معادون لها ويخططون للعودة بالبلاد إلي ما قبل 25 يناير؟!
الأمل كما قلت موجود، ومعقود علي وعي شعبنا العظيم. وأنني أدعو الجماهير التي ثارت علي نظام احتكار الثورة والسلطة وإهدار إرادة الشعب وكرامته، ألا تعيد إنتاج برلمانات الفساد السياسي والمالي والأخلاقي عبر انتخابات حرة، ولا أظن أنها ستعطي صوتا لقائمة تسلل إليها أو زج فيها بمن كانوا عونا علي الإفساد وتنفيذ مشروع التوريث. ولست أعتقد أن الصحافة الحرة والإعلام المستنير سوف يكونان منبرا لأعداء الثورة، يغسلون به وجوههم ويطلون علي الجماهير يمارسون أساليب الغش والخداع، إنما أوقن بأن صحافتنا وإعلامنا الحر، هما منبر شباب الثورة والشخصيات الحرة الذين يفتقرون إلي المال وأدوات الوصول إلي قطاعات الجماهير ويخوضون منافسة غير متكافئة في دوائر ممتدة عريضة في مواجهة محترفي الانتخابات وكوادر الحزب المنحل الذين يعرفون من أين تُقتنص المقاعد! .. وما زلت أرجو قبل إغلاق باب الطعون، أن يسارع المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإصدار مرسوم بقرار يحرم كوادر الحزب الوطني -الذين أفسدوا الحياة السياسية وجاءوا إلي المقاعد النيابية بالتزوير-، من الترشح من أجل تمثيل الأمة في برلمان الثورة.