بعض الآباء يحسب أن القسوة والوجه المتجهم والعبارة الشديدة وسائل ناجحة في التربية!! الاثنين: هذه بعض الرسائل التي تختلط فيها مشكلات الدراسة بمشكلات الاسرة والعاطفة، اخترتها من بين ما يصلني من رسائل لانها تكشف ما يضطرم في قلوب الشباب ويؤثر فيهم ويحولهم عن الطريق الصحيح الي الطريق الخطأ، أو يصيبهم بالعقد النفسية التي قد تصاحبهم بعد ان يتركوا مرحلة الشباب وينتقلوا الي مرحلة الرجولة والمسئولية الكاملة. فهذه فتاة تقول أنا عندما احب اعطي كل ما عندي من عاطفة حب وحنان، هل هذا يعد في قانون الناس »عبط« مشكلتي انني أعامل كل انسان معاملة حسنة حتي ولو اساء الي، ولكنني للاسف لا استطيع ان استمر.. هل تعرف لماذا؟ لان الخير والفضيلة والحب اشياء لا وجود لها.. ولكنها كلمات نحب ان نسمعها فقط، حاولت ان اغير نفسي وأنزع منها تلك الصفات الانسانية.. ولكنني اصبح حينئذ انسانة غريبة حتي علي نفسي، فأعود مسرعة الي نفسي كما أعرفها، الي ذلك القلب الرقيق، فهذه أنا ولا بديل عنها، فماذا أفعل؟... انني اجد ألف فكرة وفكرة تدق في رأسي ولا أجد لها جوابا وكل الذي اعرفه ان هذا العالم ليس عالمي الذي كان يجب ان اعيش فيه.. انني انقم عليه، لا احب ان اعيش في هذه الدنيا، لا أحب ان اعيش فيها بشكلها الحالي، ولكن ماذا استطيع ان افعل، وأنا لا قدرة لي علي فعل شيء.. كيف أتغلب علي تلك النفس القلقة؟. وهذه رسالة من طالب بالدراسات العليا يقول فيها إنني طالب متفوق علي مستوي من الاخلاق كبير وصلتي بالله قوية، محبوب من كل من يعرفني، ثم اصابني ما اسميه بهاتف الموت، إذ اخذت أؤكد لنفسي انني سأموت فلماذا العناء والجهد، منذ ذلك الوقت ضعفت صلتي بالله، وللاسف فقد امتنعت عن الصلاة أو كدت، وكنت اعشق الحياة فأصبحت اكره الحياة، وكان ابي وأمي يمداني بكل ما اطلب ولكنني لم اشعر بحب وعطف ومودة. ونتيجة لما اعتراني من ألم ووحشة وخوف من الموت والمستقبل، وما اصابني من اضطراب نفسي رهيب ووحشة مفزعة قررت الا أذاكر هذا العام الا بما يحفظ لي حق الاعادة!. وهذه رسالة من شاب يقول فيها »نشأت مدللا الي درجة كبيرة جدا، لا احترم احدا بينما كان الكل يحترمني لمكانة ابي، وفي المدرسة كنت محبوبا من جميع المدرسين، وكنت طوال سنوات دراستي احصل علي المركز الأول في المدرسة.. وعندما وصلت الي الثانوية العامة كانت امنية ابي أن ادخل كلية الطب أو الهندسة ولذلك اخذت دروسا في جميع المواد وكانت هذه الدروس هي السبب في رسوبي آخر العام، وكنت أحب بنتا بجوار منزلنا منذ ستة اعوام ولكنها تزوجت فجأة وكنت ايامها في السادسة عشرة من عمري، ثم طلقت من زوجها فطلبت من أبي ان يزوجني اياها فرفض، فأصبت بصدمة شديدة، لا استطيع حتي الان الخروج منها. ورسالة تقول »أنا طالبة في الجامعة سني عشرين عاما، ومع هذه السن النضرة فأنا لا أعطي في شكلي أكثر من 51 عاما وفي حزني ويأسي اعطي اكثر من 06 عاما.. حياتي مظلمة كفرت بجميع القيود واصبحت انسانة ضائعة في دنيا لا تهدأ، كنت طالبة متفوقة اذاكر ليل نهار فأصبحت لا اطيق الكتاب والمحاضرات، كنت هادئة طيبة تحب ربها وتعترف به في خشوع وحياء، تدرك ما هي عظمته وجبروته، فأصبحت احس الان ان الله قد تخلي عني، أصبحت متمردة علي الحياة، اكره الناس وابتعد عن اصدقائي، ولا أريدهم، اخشي الشباب وأتقزز من تصرفاتهم، وربما كان هذا التمرد راجعا الي حياتي في اسرتي، قد لا تصدق ان أمي إمرأة خائنة، شهدت خيانتها وعلاقتها العاطفية، وشهدتها تمارس الهوي مع أحد اصدقائها، أكره ذلك العالم بكل ما فيه ومن فيه أمي وأبي وأخوتي وجميع الرجال،، وهذه لمحات من حياتي فهي سلسلة من المتاعب، لقد اشرفت علي الهلاك، انقذني بربك من هذا الضياع. هذه المجموعة من الرسائل وان اختلفت بعض الشيء في تفاصيلها الا انها تتفق في انها انفعالات شباب تؤرقه العاطفة والجنس، يلتمس الحب والحنان في الاسرة فلا يجده ويلتمس المثل والأخلاق خارجها فيصدمه منها الكثير، ولا يعرف كيف يتصرف، ويختلط هذا كله بالتفكير في المستقبل ومحاولة التعمق في الحياة فلا يسعفه لفهم هذا أو ذاك، علم أو معرفة كافية أو ادراك لما هي الحياة وما هو المستقبل، وينعكس هذا كله علي دراسته وصلته بمدرسته أو جامعته أو صلته بالناس، فيكسو الحياة امامه رداء اسود او رداء فيه الغموض والحيرة مما يحمله احيانا علي التفكير في التخلص من الحياة. ولعل من يتأمل هذه الرسائل وما تعبر عنه وما ترمز اليه وما يختفي وراءها، يلاحظ ان الشكوي تكاد تكون عامة من الاسرة التي لا تعطي الاولاد والبنات ما هم في حاجة اليه، من الحب والحنان، فالحب قائم لا شك فيه، ولكن يظهر ان المشكلة هي عجز الاباء والامهات عن افراغ هذا الحب في صورة ملموسة ترضي في نفوس الاولاد والبنات حاجتهم الطبيعية. فبعض الاباء يحسب ان القسوة والوجه المتجهم والعبارة الشديدة، كل اولئك وسائل ناجحة للتربية والوقاية من الانحراف بينما هي علي النقيض من ذلك تؤدي الي سوء التربية والانحراف والتماس الحب والحنان من مصادر اخري، قد يكون فيها البوار والضياع!. علاقة الحكومة بالشعب! الثلاثاء: دولة في سبيلها إلي ديمقراطية حقيقية مثل مصر لابد ان تقترب الحكومة من الشعب، وتصارحه في جميع النواحي، فالحكم فيها قائم علي التفاهم والشفافية والتساوي، وليس علي اصدار الاوامر أو حجب الحقائق او التعالي او المراوغة والمناورة، وقد انتقل الينا ميراث دام اكثر من ثلاثين عاما،. سواء في مصالح الحكومة أو في تصرفات الافراد. ومن هذا الميراث ان المظهر والولاء للحزب الحاكم كان لهما اهمية كبيرة في اكتساب المركز في الحكومة أو في المجتمع، فكبار الموظفين والقيادات كانوا يهتمون بما حول الوظيفة، وليس بالوظيفة ذاتها، فالمكتب الفخم الواسع، وعدد السعاة والسكرتيريين والسيارة الفارهة، والبدلات وعضوية اللجان وما يتبعها من مكافآت متعددة البنود والانواع، هي الدافع في السعي للحصول علي الوظيفة، وليس الرغبة الصادقة في الخدمة العامة!. فإذا تركنا جو الحكومة ومصالحها الي جو المجتمع، كانت قيمة المواطن تقاس بمقدار ما يستطيع ان يحيط به نفسه من مظاهر!. ولابد ان يتغير هذا كله الآن تغييرا جذريا، ولعل ما تتجه اليه النية الان من خفض النفقات العامة قد يساهم في القضاء علي هذه المظاهر، وحرصنا علي تحقيق تلك الغاية لا يتصل بتوفير مال الشعب لصالح الشعب فحسب، ولكن لتثبيت مفهوم الحكم الديمقراطي تثبيتا صحيحا ايضا. ضحايا المجتمع! الأربعاء: أتلقي بين وقت وآخر رسائل من شباب وكهول، وفي بعض الاحيان من شيوخ خلاصتها انهم ارتكبوا بعض الجرائم وقضوا مدة العقوبة، وخرجوا الي الحياة يلتمسون عملا ورزقا، فإذا الابواب توصد امامهم واذا السابقة او السوابق وقد سجلت في صحيفة سوداء تحول بينهم وبين ما يريدون، والخطأ بعض نوازع الانسان، والجريمة قد تقع مصادفة أو لظروف طارئة أو لاسباب اقتصادية لا يد للمواطن في وجودها. أو قد تقع لأزمات عاطفية، وهي في كثير من الاحيان لا تدل علي طبيعة اجرامية بل اننا اذا حللنا الدوافع للجريمة ووقوعها في بعض الاحيان تبين ان المجرم الحقيقي ليس الا الظروف الاقتصادية والاجتماعية ونحن بصدد تغيير جذري في أسس المجتمع ونظمه وتفكيره ومثله. ومن أول ما يجب تغييره هو النظرة الي من اخطأ وارتكب جريمة علي انه مهما يكن الامر انسان له الحق في الحياة، ومن واجبنا ان نيسر سبلها امامه، وبعض المجرمين يرتكب جريمة لانه جاهل لم يتعلم، أو لانه فقد والديه وتشرد، أو لانه فصل من عمله، ولم يجد بابا للرزق أو لغير ذلك من الاسباب، وهي جميعا اسباب يسأل عنها المجتمع قبل ان يسأل المواطن.. ومن المؤكد ان هذه الجرائم وامثالها ستقل في المجتمع الجديد ولكن علينا لضحايا المجتمع القديم واجبا لابد من الوفاء به هو ان نمسح عنهم هذا الاثر السييء ونحاول ان نكسبهم مواطنين شرفاء في مجتمع جديد. عقلية قديمة! الخميس: لا تزال عقلية الدواوين مسيطرة علي بعض الرؤساء والمديرين، فهم يحسبون ان وضعهم في الوظيفة، وضع الرياسة أو التوجيه يعني منحهم الحق في الاساءة الي مرءوسيهم بالعبارة الجارحة والكلمة النابية، وينسون ان سلطانهم علي مرءوسيهم لا يتجاوز حاجة العمل، وينبغي ان يكون في دائرة القوانين واللوائح وليس منها جرح الشعور ولا الاساءة بكلمة مجردة من ادب الخطاب. ورسم الحدود هنا ضروري والاحتكام الي القانون والسلطات المختصة قد يكون كفيلا بردع الرؤساء والمديرين الذين لا يحترمون معاونيهم ويبيحون لانفسهم توجيه العبارات غير المهذبة، ولكن لا ينيغي ان ننسي وضع المرءوس وشعوره بالخوف اذا رد الاهانة، أو لجأ الي طريق القانون والنظام لردها. ومن هنا كان من واجب الرؤساء ان يدركوا ما عليهم من مسئوليات في هذا الصدد، ولا نعني مسئوليات العمل فهي ليست موضوع حديثنا الان ولكننا نعني مسئولية التربية الصحيحة للمواطن فهم في مراكز توجية ورياسة تؤخذ تصرفاتهم علي انهم قدوة، وتؤخذ الفاظهم علي انها الفاظ الخطاب التي لا غبار عليها فكيف يكون الحال اذا كان من هذه الالفاظ ما يعف عنه السوقة وكان من اساليب المعاملة ما لا يحدث الا في اقل البيئات حظا من المعرفة والادب وفهم الذوق. ان تربية المواطن لا تكون برسم حقوقه في اللوائح والتعليمات فحسب، ولكنها تكون ايضا بإحسان معاملته، والكف عن ايذاء شعوره وتوجيه الاهانة اليه، حتي لو اخطأ أو قصر او أهمل، فإن للخطأ والاهمال والتقصير جزاءات معروفة ليس منها الاهانة ولاجرح الشعور ولا التحقير!!. فكرة للتأمل إذا أردت ان تعرف أخلاق الرجل، ضعه في منصب كبير!