[email protected] هدني الهم وأنا أقف مع الجموع أمام المستشفي القبطي ولأن »حيلي انهد« من هزيمة مصرية مائة بالمائة فقد ظللت في السيارة أعايش الملتاعين والغاضبين. من نافذة السيارة!! خرجت من الاجتماع الطارئ لبيت العائلة في الأزهر لأشارك في جنازة قتلي الكارثة.. إنهم شهداء غفلة الوطن وهوان الوطن. إنهم شهداء تخلينا جميعاً عن المسئولية التاريخية.. إننا بلد فيه المسلمون كثرة فكان يجب أن نعتنق ثقافة حماية المسيحيين.. ولا أقول الأقباط لأن هذا الاسم هو ملك لنا جميعاً. خرجت من الاجتماع الطارئ لبيت العائلة بنداء مسئول ملتاع من الإمام الأكبر الذي كان بيانه ليلة الكارثة ملزماً لنا جميعاً كان النداء بمثابة أجراس الخطر جاءتني علي إثرها مكالمات فزعة من ميرفت مينا من كندا ومريم ميلاد حنا من أمريكا ومينا ثابت من أمريكا وليلي كريم صامويل من أمريكا وباهر عامر من لندن.. كلهم هزهم نداء الإمام الأكبر وطالبوني برسالة له ليكون الأزهر علي اتصال بهم طالبوا بفروع لبيت العائلة وخجلت أن أقول لهم إنهم مهتزون ومهمومون أكثر من مصريين كثيرين. أمام المستشفي القبطي كانت النفوس ممزقة وملتاعة تدخل إلي المشرحة وتخرج وقد أصبحت في هلع يمنع من ممارسة أي حياة. ارميا وليم صاحب مكتب توريدات يتدفق بالكلام: احنا كنا ماشيين في مسيرة سلمية.. فوجئنا بحصار بلطجية عند كوبري القللي بسنج ومطاوي.. كملنا المسيرة وعند التليفزيون الجيش بدأ الضرب في الهوا والبلطجية مختلطين بينا.. والبلطجية حدفوا طوب علي المصفحات وحدفوا زجاجات ملوتوف.. لم نكن نحن.. كانوا البلطجية اللي ماخافوش ولا حتي من ربنا.. العساكر دخلوا المصفحات وبدأوا يدهسون في الناس.. منهم لله.. فيه إيه.. البلطجية بتوع النظام بيطلعوا يبوظوا حياتنا ليه؟! ملاك جرجس مهندس: احنا هنا منتظرين الشهداء علشان الجنازة.. شهداء الشارع المصري أهالي بولاق جُم يحموا الجيش مننا؟.. ازاي؟ هو احنا إيه.. الناس مازالت عايشة اللي زرعته الداخلية بين المسلمين والمسيحيين.. نفس جرايم العهد البائد وأكتر!! حرام.. حضرتك انزلي شوفي أهالي الشهداء.. شوفي العروسة اللي ماسكة إيد جثة عريسها ومش راضية تسيبها! شوفي الأب والأم اللي نايمين جنب جثة ابنهم.. شوفي الأم اللي رافضة تديهم الجثة يشرحوها!! فين الحكومة لما مات كل دول.. يسيبوا ضرب النار ويقولوا كارثة في ماسبيرو!!؟ مريم عازر.. ببكاء يهز القلب والعقل: انزلي معايا.. انزلي شوفي اللي بيحصل في مصر.. دي بلدنا ولا مش بلدنا نروح فين!! مين يحمينا!! وتجري ملتاعة وتأخذها هالة كرلس وهي تقول لي: كتبت عن الوحدة الوطنية.. الوحدة الوطنية راحت من زمان.. الحزب الوطني وأمن الدولة نجحوا في حرق الكنائس وحرق الوحدة الوطنية.. أحاول أن أجمع شتات عقلي وأعزي بأي كلمات فلم أجد.. والله العظيم ثلاثة لم أجد كلمة عزاء؟ وجدتني عاجزة وعقلي يردد مقولة الأنبا الدكتور يوحنا قلته رئيس الطائفة الكاثوليكية عضو مجلس العائلة الذي أكد في ثقافة دينية عميقة أنه مرفوض أي تدخل أجنبي. وقال هذا هراء مرفوض وأن الذي يحمي المسيحيين هم المسلمون فنحن في حمي الله ثم في حمي إخواننا المسلمين وإن ما حدث صدمة كبيرة وليست مصر التي نعيشها وأن الإنسان المصري يكره العنف والدماء وأناشد الدولة في قانون بناء الكنائس لأن بناء كنيسة مثل بناء مسجد وأن الشريعة الإسلامية لا تعارض بناء المساجد وأن مصر فيها الأزهر المتسامح الذي علم العالم الوسطية وأن القرآن نص علي أنه لو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة. أمام المستشفي القبطي جال بذهني ما قاله الإمام الأكبر في اجتماع بيت العائلة أن المعالجات السطحية والحلول المسكنة لظواهر الأزمات في الفترات الماضية غير مجدية بل أدت إلي تصاعد ما يحدث من أحداث حتي وصلنا إلي هذا الحدث الجلل الذي هز الوطن. الناس أمام المستشفي في حالة تمزق وفي حالة هلع وأصبحوا لا يشعرون بأي أمان في بلدهم. ولم لا؟ ونحن عشنا ثورة مجيدة عظيمة هزت العالم ولكننا لم نعش أي تغيير ومازال الفساد لأن أدواته كما نقول كالزاحفين تخرج من الجحور وتحمل أدوات القتل والدمار وحرق الكنائس كما كان يحدث قبل الثورة.. وأن أسلوب اللعب بعواطف المصريين والتفريق بينهم أوصلنا إلي حوالي 52 شهيداً ومئات الجرحي. أمام المستشفي القبطي مصر تحتضر ومصر بأقباطها ومسلميها في هلع وتشتت وعدم ثقة.. نحن في مواجهة حادث غير عادي ومخطط نجح في تمزيق الأمة. وللآن أتعجب لماذا تأخر قانون دور العبادة؟ ولمصلحة من؟.. وأمامنا المجلس العسكري والوزارة ولا نعرف أين ينام هذا القانون؟ وكأنه لم تقم ثورة ولم نمش حتي في أول طريق التغيير. أننا مسئولون جميعاً عن هذه الكارثة.. إنها هزيمة لوطن بدأ يتعافي من وأد ثلاثين عاماً. أين الأربعون حزباً؟ إنهم متفرجون ومشغولون بالبحث عن أسلوب يوصل إلي كرسي المجلس.. نحن محتاجون إلي نزول المثقفين إلي الشارع المصري الذي لم تصل إليه ثقافة حماية الآخر والتآخي بعد. قبل الطبع دعونا من شماعة المؤامرة شبعنا في كل أزمة من تعليق هزائمنا ومشاكلنا علي شماعة المؤامرة.. والبحث عن المستورد من الذين يريدون قتل مصر.. ابحثوا في أنفسكم عن التراخي وعن الاستكانة في مقاعد المتفرجين.. لا فلول ولا أصابع خارجية ولا بقايا الفساد.. إنها انشغالنا بالبحث عن شماعة لنعلق عليها مشاكلنا.. ولكن هذه الكارثة الأخيرة لا شماعة لها إلا نحن وكل واحد فينا مسئول تمام المسئولية.