كم عدد المطابع التي تطبع لنا نسخ القرآن الكريم؟ وكم عدد المصاحف الموجودة في بيتك وبيتي ومسجدك ومسجدي؟ وكم عدد القنوات الفضائية التي تبث القرآن الكريم ليلا ونهارا علي امتداد الساعة؟ وكم عدد الكتاتيب والمدارس والمعاهد والكليات التي تدرس القرآن وتقوم بتلقينه وتحفيظه لنا ولاولادنا؟! والاجابة إنها كثيرة اكثر من العد والاحصاء، ولكن السؤال الاهم هو كم عدد الذين يتدبرون القرآن والذين يعملون به. يحرمون حرامه ويحللون حلاله ويرسمون به للامة الاسلامية كيف تشق طريقها في الحياة معتمدة علي المنهج الالهي الذي لا يأتيه الباطل، والذي جعل من المسلمين سادة الدنيا في صدر الاسلام عندما أخذوا به والتزموا بتعاليمه وآدابه؟ والاجابة انهم قليلون اقل من العد ومن الاحصاء.. وهذا للاسف حصاد موروثات قديمة من التعامل الخاطيء مع القرآن ابتعد فيها المسلمون شيئا فشيئا عنه وعن دوره في قيادة الحياة. فأصبح القرآن في حياتنا مصدرا للتبرك والاجر والثواب فقط واطلق مصطلح »اهل القرآن« علي حفاظ حروفه وتحول المقصود من تعلم القرآن وتعليمه هو تعلم احكام تلاوته وتجويده والاقتصار علي ضوابط الشكل بكل اسف. وتضحك انت من نفسك عندما تدرك هذا الخطأ الفادح الذي نقع فيه فالدافع للقراءة غالبا هو المعرفة ولا يمكن لعاقل ان يقرأ اي شيء سواء صحيفة أو مجلة أو كتاب بلسانه أو بعينه دون ان يعمل عقله فيما يقرأه وإلا اصبحت القراءة »برطمة« ورغم ذلك فإن هذا المثال ينطبق علي كتاب واحد يقرأه كثيرون لمجرد القراءة فقط دون إعمال عقولهم لفهم معانيه ولا يتنافسون علي هذا الفهم ولا يجدون في نفوسهم اي غضاضة في انهم لا يفهمون. هذا الكتاب للاسف هو اعظم كتاب علي ظهر الارض - الكتاب الوحيد الذي ليس فيه اي خطأ أو باطل - انه القرآن الكريم!! والعجيب انهم بقلة الفهم هذه يحسبون انهم يحسنون صنعا!.. واقرأ معي هذه الآية »كتاب انزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر اولو الالباب« سورة »ص92« فهل التزم المسلمون بامر الله الوارد في هذه الآية؟!.. لا لم يفعلوا.. لم يجعلوا القراءة وسيلة لفهم المراد من الآيات والعمل بها للاسف. ورغم ان القرآن نزل ليعمل الناس به إلا انهم اتخذوا قراءة القرآن عملا.. وانظر إلي وجوه الذين يقرأون أو الذين يستمعون إلي القرآن العظيم في مناسبة ما- عزاء مثلا- وقل لي ماذا تري؟! ولا تعجب بعد ذلك ان تدرك لماذا امة الاسلام الآن في المؤخرة رغم ان بين يديها مفتاح سعادتها ولكنها تعرض عنه وتبحث عن عزتها في غيره! المشكلة اذن فينا نحن عندما اتخذناه ترانيم.. وتعاملنا معه بحناجرنا دون عقولنا وقلوبنا. فاجتمع فينا الضدان »اتخذنا القرآن.. وهجرناه« وانطبق الفعل مع شكوي الرسول صلي الله عليه وسلم لربه »وقال الرسول يارب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا« (الفرقان:03) فاصبح حاضرا وغائبا.. موجودا بمطابعه ومصاحفه واذاعاته ومحطاته الفضائية.. مفقودا بروحه ومعجزاته وقيادته للحياة.. والسؤال الاعظم الآن: كيف يتم اعادة الثقة مرة اخري في القرآن؟.. وكيف تتغير نظرتنا وطريقة تعاملنا مع القرآن؟! هل هناك امل؟!. الاجابة بكل تأكيد هي: نعم.