لعل أسئلة الرئيس عبد الفتاح السيسي لمحافظ القاهرة وكذلك أسئلته لمسئولة في مشروع الصوب الزراعية والتي قوبلت بالصمت دون إجابة تنبهنا إلي خطورة غياب قواعد البيانات أو إهمال المسئولين لأهمية الاستفادة منها حال وجودها. سأل الرئيس محافظ القاهرة اللواء خالد عبد العال أثناء عرضه لمشروعات المحافظة خلال افتتاح عدد من مشروعات المياه والإسكان الاجتماعي عن حجم الأموال المتوفرة في صندوق العشوائيات بالمحافظة ودخل محافظة القاهرة وعدد مشروعات الكباري التي تم تنفيذها في الأربع سنوات الماضية بالمحافظة؟ وجميع الأسئلة واجهها اللواء خالد عبد العال بالصمت. وبعدها بأيام قليلة وخلال تفقد الرئيس لمشروع الصوب الزراعية بالعاشر من رمضان سأل المهندسة المسئولة عن أحد البيوت الزراعية بالمشروع عن حجم استهلاك مصر من الطماطم ما أصابها بالارتباك. لسنا هنا بصدد جلد اللواء عبد العال فهو يبذل كل جهده في محافظة تعاني كثيرا من المشاكل اليومية التي تتعلق بحياة المواطنين ومعيشتهم وقد قضي ساعات طويلة في الشارع متابعا عمليات إصلاح ماسورة مياه أمام ماسبيرو قبل يومين أصابت القاهرة كلها بالشلل المروري ولست أيضا بصدد جلد المهندسة التي عجزت عن الإجابة علي سؤال الطماطم، لكن المشكلة الحقيقية غياب قواعد المعلومات أو عدم الإكتراث بها حال وجودها رغم أهميتها البالغة في تشخيص حجم المشكلات ومن ثم وضع حلول لها وكذلك ترتيب الأولويات حسب اتساع أو ضيق قاعدة المستفيدين. الغريب أن الحكومة ذاتها تعاني من مشكلة قواعد البيانات وهي بالقطع تعمل علي حلها سريعا للتعامل مع مشاكل مزمنة علي رأسها قضية المستحقين الفعليين لدعم الوقود وبطاقات التموين والمعاشات والإعانات الاجتماعية وكذلك قواعد معلومات تفيد في زيادة نسب التحصيل الضريبي وجميعها قضايا مهمة لإيرادات الدولة. ولعل من المفيد هنا الاهتمام ببناء قواعد بيانات قطاعية أي تغطي كل قطاع علي حدة فهذه القواعد تعد بمثابة الكاشف للتحديات والمعوقات وبالتالي الحلول وفي اعتقادي أن أزمة قواعد البيانات تمتد آثارها السلبية إلي حالات الفساد التي نكتشفها كل يوم فحال وجود قواعد بيانات دقيقة لن تجد مسئولا متقاعسا أو مرتشيا أو علي الأقل التقليل من مثل هذه الحالات فنحن بشر في النهاية. ومن باب عدم التركيز علي السلبيات أثمن دور وزارة التخطيط التي تنفذ مشروعا كبيرا لإعداد قواعد للبيانات في مصر بقرار وتكليف من الرئيس السيسي حمل رقم 501 لسنة 2017 وتضمن إعداد 11 قاعدة بيانات رئيسية لأهم القطاعات في الدولة التي تتعامل مباشرة مع المواطنين في إطار برنامج الإصلاح الإداري. ولعل من المفيد أن نعرف أن هذا المشروع الكبير يتضمن قواعد بيانات المواليد والوفيات والأصول غير المستغلة والمستحضرات الصيدلية والجهاز الإداري للدولة وقاعدة بيانات الناخبين وقاعدة بيانات محو الأمية وقاعدة بيانات التطعيمات وقاعدة بيانات المحليات وقاعدة بيانات المرور وقاعدة بيانات مرضي فيروس سي وقاعدة بيانات شبكة الأمان الاجتماعي مع ربط قواعد البيانات بمختلف الأجهزة في الدولة للتحول إلي مجتمع رقمي. وأثلج صدري ما ذكرته د.هالة السعيد وزيرة التخطيط أن الوزارة تعمل علي الانتهاء بشكل قطاعي من قواعد البيانات وتوفير الخدمات الحكومية حيث سيتم الانتهاء أولاً من قطاع الصحة لأهميته للمواطنين. الاستثمار في قواعد البيانات لم يعد ترفا أو من قبيل الكماليات بل أصبح أساسا لتشخيص المشكلات والاعتراف بها ومن ثم وضع سيناريوهات للحلول واختيار أفضلها وفق الأولويات المتاحة فغياب البيانات الأساسية عن أي مشكلة كفيل بأن يذهب بالحلول لاتجاه آخر غير المراد منه تماما مثل فاقد الذاكرة الذي لا يعرف شيئا عن ماضيه وبالتالي يصيبه التشويش فيما يتعلق بحاضره ومستقبله. من المفيد أيضا أن تكون لدينا قواعد بيانات جاهزة وقابلة للتحديث أولا بأولا وفق الواقع حتي لا نتأخر كثيرا في وضع حلول لمشاكل قد تبدو بسيطة في البداية ثم تتفاقم ويصعب حلها وها هي وزارة التربية والتعليم تبشرنا وقد انتصف العام الدراسي بأنه جار استكمال ومراجعة بيانات العجز والزيادة في التخصصات بأعضاء هيئة التدريس علي مستوي الجمهورية تمهيدا للإعلان عن التعاقدات المؤقتة لسد العجز. علي كل مسئول في جهته الاهتمام ببناء قواعد معلومات فهي أقصر طريق لاكتشاف المشكلات مبكرا وبالتالي وضع الحلول المناسبة.. علينا جميعا كل في موقعه أن يهتم بقضية المعلومات دون التحجج بقلة الإمكانات فغياب قواعد المعلومات يمثل أكبر هدر للموارد وتشتيت الجهود.