لم يكن حديث راكبي المترو عن فستان رانيا يوسف الفاضح سوي تجسيد للسان حال المجتمع الذي أصبح ينشغل بكل ما هو تافه من باب الهري وعمل حفلات علي مواقع التواصل الاجتماعي غير مبالٍ بقضايا مهمة في مسيرة المجتمع نحو تجاوز تحديات جمة قلما جاد الزمان بمثلها. في ظل انشغالنا بفستان رانيا يوسف أو بالأدق مايوه رانيا تصدمنا واقعة تنمر جديدة بعد واقعة الطالبة بسملة في إحدي مدارس دمياط.. الواقعة الجديدة وقعت في مدينة السلام بالقاهرة لطالبة في مدرسة ثانوية حيث احتجزها زميلاتها في الفصل لفعل أفعال خادشة.. وفي محاولتها للفرار من هذا التنمر - إن صح التعبير- استغاثت فلم تجد مشرف الدور فالمفروض في أي مدرسة أن هناك مشرفا لكل دور.. لم تجد الإخصائي الاجتماعي الذي يتمثل دوره الأساسي في معالجة مثل هذه الإشكاليات وبالتالي لم تجد وكيل المدرسة ولا الناظر ولا المدير ولا حتي الغفير.. لم تجد مفرا من أن تستنجد بوالدها ووالدتها عبر الهاتف وعلي الفور توجه والدها لإنقاذها وحدث هرج ومرج أصيب الرجل بأزمة قلبية حادة داخل المدرسة، نقل علي أثرها إلي المستشفي ليفارق الحياة.. تلك الواقعة والتي أصبحت عادي في المعادي وغيرها من الوقائع المماثلة التي تحدث بشكل يكاد يكون يوميا في مدارسنا تؤكد بما لا يدع للشك أن دور المدرسة راح راح راح ولم يعد له وجود ومع غياب دور الأسرة أيضا يصبح الأمر أكثر صعوبة في ضبط إيقاع المجتمع فالطفل أو الطفلة التي تتعرض لوقائع من هذا النوع لابد وأن يشب ناقما علي المجتمع الذي تركه فريسة دون تدخل ولا شك أن رد فعله حادا بالتنمر مع سبق الإصرار والترصد بالمجتمع بأسره.. هذه الواقعة وغيرها لابد وأن تمثل لنا جميعا جرس إنذار بأن أعيدوا دور المدرسة كما كانت مكانا للتربية قبل التعليم.. مكانا لاكتساب مهارات الحياة من خلال حصص الأنشطة المختلفة.. مكانا لاكتشاف المواهب الرياضية الفذة.. مكانا لبناء مواطن صالح يمثل لبنة في بناء المجتمع.. لكن لظروف تراكمية يصعب حصرها في تلك المساحة تحولت معظم مدارسنا إلي علب سردين لدس معلومات إن وجدت.. مكان لالتقاء المعلمين مع الطلاب لعقد اتفاقات الدروس الخصوصصية سواء في المدارس أو السناتر.. وتحول معظم مدرسينا بكل أسف إلي جباة أموال بعد أن كانوا يحملون رسالة. أقول وبكل صدق ليتنا بدأنا في خطتنا المهمة والضرورية لتطوير التعليم بإعادة دور المدرسة فهو الأساس في أي عملية تعليمية.. أعيدوا حصص النشاط بمعناها الصحيح وليس ترك التلاميذ في الحوش الضيق يتعاركون ويركلون بعضهم البعض.. أعيدوا حصص الألعاب وعدم الاستهانة بها لدورها المهم في تزكية روح التلاميذ وإفراغ الطاقة لديهم.. أعيدوا المدرس كما كان حاملا لرسالة أب بحق وحقيق لكل تلميذ وتلميذة يراقبهم ويلقنهم السلوكيات الحميدة وأهمها التراحم والتعاطف والتعاون وليس العراك بكل أشكاله والتنمر لدرجة فعل أفعال فاحشة. أعيدوا حصص المكتبة التي كانت حاضنة لهواة القراءة والتي أسهمت في تنوير عقول التلاميذ وتنمية مداركهم لكن كيف هذا ومدرس المكتبات في مدارسنا كمالة عدد ينتدبونه لسد عجز حال غياب زميل له أو يجعلونه مدرسا للدراسات.. أمام الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم في خضم معركته لإصلاح نظام التعليم تحد كبير وهو إعادة دور المدرسة الحقيقي لتصبح مكانا للتربية والتعليم وتنمية المواهب وعليه إشراك المجتمع في هكذا تحديات تركت آثارها علي المجتمع بأسرة في شكل غياب للقيم وتقيد أعمي لسلوكيات لم نألفها وليست نبت مجتمعاتنا بل شربناها من استخدامنا الخاطئ لوسائل التقنيات الحديثة وأخطرها مواقع التواصل الاجتماعي والتي يصح أن نسميها مواقع التخريب الاجتماعي. مهمة عودة دور المدرسة ليست مسئولية وزارة التربية والتعليم وحدها بل مسئولية تضامنية لجميع مؤسسات المجتمع وعلي رأسها المؤسسات الدينية المتمثلة في الأزهر والكنيسة والمؤسسات الإعلامية، ومن هنا أناشد الدكتور طارق شوقي وهو العالم الباحث المدقق أن يمعن التفكير في آلية تساهم فيها جميع مؤسسات المجتمع لاستعادة دور المدرسة لنكرر تجارب العظماء أمثال طه حسين والعقاد وزويل وغيرهم الكثير. ويكمل دور المدرسة دور الأسرة بل في اعتقادي من المفترض أنه الأساس لكن رب الأسرة مشغول بتدبير احتياجات الحياة وإزاء ذلك ولكي تكتمل الصورة أناشد القيادة السياسية بإنشاء مجلس أعلي للأسرة فهكذا مجلس سيكون كفيلا بوضع الآليات والتشريعات اللازمة لاستعادة دور الأسرة الذي أصبح في خبر كان.