علي رغم أن علاقتي بصحيفة »الوفد« قديمة جدا وتعود الي بداية صدور العدد الأول اليومي منها منذ سنوات طويلة عملت خلالها مع الأساتذة مصطفي شردي وجمال بدوي رحمهما الله وعباس الطرابيلي أطال الله في عمره وغيرهم من الصحفيين الكبار الا أن معرفتي تكاد تكون هامشية بالأستاذ أسامة هيكل وزير الاعلام الحالي ورئيس تحرير الوفد السابق. لذلك لم أشأ التعليق علي توليه وزارة الاعلام التي عادت بعد فترة غياب بسبب قرار متسرع تماما بلا دراسة بالغائها دون تمهيد ومن دون فهم لما كانت تقوم به وما يمكن أن يؤدي اليه الغياب المفاجيء لها. وقد أشفقت علي الرجل القادم من خلفية الصحافة المكتوبة الي وزارة الاعلام التي صار الارتباط الشرطي مؤكدا بينها وبين اتحاد الاذاعة والتلفزيون الي درجة أن مكتب وزير الاعلام علي مدي الربع قرن الماضي يقع في الدور التاسع من المبني القديم المطل علي نيل القاهرة. وتساءلت بيني وبين نفسي عن الورطة التي وضع الرجل فيها نفسه للدخول الي منطقة شائكة للغاية بعد شهور من إغلاق مكتب وزير الاعلام أساسا وتولي من لا يملك الخبرة العملية علي وجه الاطلاق منصب رئيس اتحاد الاذاعة والتلفزيون في ظل فترة من فترات الفوضي الشاملة التي استجاب هو فيها لكل من طلب شيئا فكانت النتيجة الكارثية التي عاشها اتحاد الاذاعة والتلفزيون الذي فقد ظله كان البحث عن مرشح صالح له أقرب الي المستحيل الثامن نظرا لغيبة المهندس أسامة الشيخ الذي يعد وبحق أفضل من تولي مثل هذا المنصب علي مدي السنوات العشرين الماضية من خلال ما حققه من انجازات. وهي غيبة فرضت علي الرجل بعد توجيه اتهام له بناء علي بلاغ أكد صاحبه الصحفي مصطفي بكري بعد شهور - أمام هيئة المحكمة - أنه لم يكن يقصد به الشيخ ألبتة وتأكيده انه وكل الاعلاميين يدركون تماما قامة وقيمة المهندس أسامة الشيخ الذي ضحي بكل شيء واعتبر قبوله لهذا المنصب تكليفا وطنيا.. واليوم وقد حصل الرجل علي ما يمكن وصفه بنصف براءة في انتظار النصف الآخر يظل المنصب شاغرا ولن يمكن أن يملأه سوي الشيخ بعد اكتمال شمس براءته بمشيئة الله ما لم يكن له رأي آخر. أعود مجددا الي الصحفي وزير الاعلام أسامة هيكل لأؤكد أنه وعلي رغم مرور أسابيع قليلة علي توليه منصبه الا أنه أثبت بوضوح امتلاكه كثيرا من امكانات النجاح بعدما حقق شيئا غير قليل من الهدوء داخل مبني اتحاد الاذاعة والتليفزيون بفضل قرارات حاسمة لا تستهدف الا المصلحة العامة وقوة حجة وبيان وقدرة علي التعامل مع وسائل الاعلام باستخدام الدليل والبرهان. ولم تضعف للرجل عزيمة وهو يواجه حملة شرسة ظالمة بسبب دعمه لقرار وقف بث قناة الجزيرة مباشر مصر لعدم حصولها علي ترخيص قانوني من السلطات المصرية في تصرف أعتقد أنه كان يستحق اعتذارا من المسئولين عن القناة لأنهم تصرفوا كما لو كانت مصر كيانا مستباحا في موقف غير مسبوق في أي دولة من دول العالم مهما كان حجمها فما بالنا بمصر. وهو موقف لم يجرؤ مصري واحد علي القيام به فلا توجد قناة خاصة مصرية واحدة تبث من دون الحصول علي ترخيص طبقا للقانون المصري. ولم يتساءل أي من الذين شاركوا في أوركسترا انتقاد القرار المصري والهجوم عليه بعنف عن مدي قانونية الموقف المصري وهل تعمل القناة المذكورة بمقتضي ترخيص أم لا وخصوصا من جانب رجل في قيمة وحجم الشيخ صفوت حجازي الذي دعا القناة الي البث من بيته في سخرية لا أقبل أن تصدر عن رجل مثله معروف بالهدوء والحكمة والتصريحات المتزنة. ولم يقل لنا أحد من المسئولين عن القناة ما اذا كانوا تقدموا بطلب للسلطات المصرية للحصول علي مثل هذا الترخيص أم لا واذا كان صدور الترخيص تأخر لأسباب قانونية - تم تطبيقها هي ذاتها من قبل علي قنوات خاصة مصرية - فهل كان يمكن لأحد أن يبث قناة اخبارية فضائية من دولة قطر دون ترخيص أو حتي بترخيص أو يحصل علي ترخيص باستخدام جهاز للبث الفضائي غير مرخص أصلا ؟.. هل يسمح المسئولون في دولة قطر ببث فضائية "النيل مباشر" من الدوحة؟!.. لكن يبدو ان الذين استمتعوا بالفوضي هم انفسهم الذين ارادوا استمرار حال الفلتان الاعلامي الذي سمح للجميع باستباحة مصر أرضا وبحرا وفضاء. من هنا استمتعت للغاية بالحوار الذي اجراه هيكل منذ ايام مع الصحفي مصطفي بكري علي فضائية »الحياة« عندما أعلن تمسكه بضرورة اتخاذ كل ما من شأنه تأكيد السيادة المصرية في مواجهة المحاولات المستميتة لدعاة الفوضوية لانتهاك كل القوانين ودفع الدولة المصرية -لا قدر الله - إلي السقوط في براثن التخريب والخراب. وأعجبني تصميم أسامة هيكل علي قوله انه من المستحيل قبول الاعلام التحريضي الذي يخاطب العواطف من أجل المزيد من الاثارة والاستثارة واشارته الي ضرورة فتح كل الملفات الخاصة بالقنوات الجديدة ومعرفة مدي التزامها بالقواعد والأعراف الأخلاقية للاعلام. كما أتمني أن يسارع وزير الاعلام إلي وضع أسس إنشاء الهيئة الوطنية أو القومية للاعلام التي نتمني أن تظهر إلي النور سريعا من أجل التعامل مع كل ما يتعلق بالاعلام المرئي والمسموع ابتداء من منح التراخيص وانتهاء بوضع آلية الثواب والعقاب للذين يخرجون عن إطار أخلاقيات الاعلام ومرورا بمتابعة تنفيذ القرارات والقوانين. فلا توجد حرية غير مسئولة فالحرية في أبسط معناها هي المسئولية ولا يمكن أن تكون الحرية هي حريتي في كسر كل النظم وانتهاك كل القوانين فتبا لحرية نشر الأكاذيب وليخسأ كل دعاة حرية السب والشتم والقذف في حقوق الآخرين. انني أتمني أن تكون رسالة هيكل »الجديد« قد وصلت الي كل المصريين الوطنيين الغيورين علي مصلحة وطنهم والرافضين لمحاولات تمزيق أوصاله باستغلال الوضع الناتج عن الارتباك الذي أعقب الثورة المصرية الأعظم في تاريخ البشرية. ذلك ان أي محاولة لاستغلال مثل هذا الارتباك لاتاحة الفرصة للفوضي كي تضرب أطنابها من أجل تمهيد الطريق أمام انجاح مؤامرة تقسيم مصر هي في الأساس محاولة مفضوحة لضرب الثورة المصرية في مقتل وصنع الملايين من الأعداء لها وهو ما لانتمني أن يحدث مطلقا حتي تواصل ثورة 25 يناير المجيدة طريقها نحو صنع مجتمع مصري كريم حر قادر علي وضع مصر علي طريق التقدم في مختلف المجالات.. حفظ الله مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان.