بعد اختفاء يزيد علي ثلاثة أشهر عادت 'وزارة الإعلام' إلي التشكيل الوزاري ليتولاها الزميل 'أسامة هيكل'، رئيس تحرير جريدة 'الوفد'، وهو ثالث صحفي يتولي هذه الوزارة، منذ ظهورها لأول مرة علي خريطة الوزارات المصرية باسم 'وزارة الدولة للدعاية' في مارس 1952، بعد 'الزميل' كريم ثابت باشا، رئيس تحرير المقطم، الذي تولي المنصب لمدة 17 يوماً فقط، والأستاذ 'محمد حسنين هيكل'، رئيس تحرير 'الأهرام'، الذي تولاه لمدة ستة شهور في آخر وزارات عهد الرئيس 'جمال عبدالناصر'. وخلال شهور الاختفاء تعددت وتناقضت التفسيرات، التي يقول بعضها بأن حكومة 'عصام شرف' لم تجد أحداً يقبل بتولي المنصب، بسبب التعقيدات التي أحيطت به في أعقاب سقوط النظام السابق، ويقول الآخر إنه سقط سهواً من التشكيل الوزاري، مثل وزارتي التخطيط والدفاع وغيرهما، بينما ذهب آخرون إلي أن الحكومة لا تجد مبرراً لوجود وزارة الإعلام بعد الثورة، لأن الإعلام في البلاد الديمقراطية حر ومستقل ولا يجوز أن يكون للحكومة إشراف عليه، ولا أن تضم بين وزاراتها وزارة تشرف عليه، لأن وزارة الإعلام هي بدعة ابتكرتها النظم النازية، حيث ابتكرها وزير دعاية النازية المعروف 'جوزيف جوبلز'، وأنها استخارت الله - وميدان التحرير - وقررت تحرير الإعلام من وزارات الإعلام. وفكرة إلغاء وزارة الإعلام ليست جديدة، ولم تقتصر المطالبة بها علي الإصلاحيين الذين رفعوا شعار 'تحرير الإعلام'، وطالبوا النظام بأن يرفع قبضته عن حريات الرأي والتعبير، ونجحت ضغوطهم في توسيع الهامش الديمقراطي، علي نحو ساهم في تهيئة الظروف، التي أدت إلي الثورة، بل إنها عابثت كذلك بعض العناصر داخل النظام منذ نهاية عهد الرئيس عبدالناصر، وخاصة بعد هزيمة 1967، عندما استصدر 'محمد حسنين هيكل' - أثناء توليه منصب وزير الإعلام - قانون إنشاء اتحاد الإذاعة والتليفزيون، لكي يكون اتحاداً شبه مستقل، يتولي الإشراف علي التليفزيون، وتوجيهه بعيداً عن التدخل الحكومي المباشر، ولكن الاتحاد عاد ليصبح جهازاً إدارياً بيروقراطياً يخضع للهيمنة الحكومية. وربما كان ذلك هو السبب الذي دفع 'د.مصطفي خليل' - الذي كان أول رئيس لهذا الاتحاد، حين تولي رئاسة الوزراء في عام 1978 - إلي إسقاط وزارتي الثقافة والإعلام من مرسوم تشكيل الوزارة، التي خلت من تسمية وزيرين للوزارتين، وقيل آنذاك إن ذلك تمهيد لإعادة تنظيم الأجهزة التي كانت تابعة للوزارتين، وأعلن الرئيس السادات عن نقل اختصاصات وزارة الثقافة إلي المثقفين، ليتولوا بأنفسهم سلطة الثقافة، عبر المجلس الأعلي للثقافة، الذي تشكل ليحل محل الوزارة، وأصدر قراراً جمهورياً بإحالة اختصاصات الوزارتين إلي وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية آنذاك 'منصور حسن'، وبعد ما يقرب من عامين غابت خلالهما الوزارتان عن الساحة، عادتا - في آخر وزارة في عهد الرئيس السادات - ولكن باعتبارهما وزارة دولة، وظلّتا علي هذا الوضع، منفصلتين حيناً.. ومندمجتين حيناً. ولأن وزارة الدولة هي وزارة مؤقتة يسند إليها الإشراف علي بعض الأجهزة والمؤسسات التي تنص قوانينها علي تبعيتها لرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، فقد بدا ظاهرياً أن بقاء وزارتي الإعلام والثقافة، كوزارتي دولة، هو لمجرد إتمام خطة تصفيتهما، بينما كانت شواهد الواقع تؤكد غير ذلك، وما لبثت الحكومة أن اعترفت بالواقع، وألغت صفة وزارة دولة عن كل منهما.. لتعودا إلي التشكيلة الوزارية بعد ست سنوات من الغياب في حكومة 'كمال حسن علي' عام 1984. وأمام وزير الإعلام الجديد 'أسامة هيكل' ملفات بالغة التعقيد، ربما كان أكثرها إلحاحاً ما يتعلق بالمشاكل التي يعاني منها مبني ماسبيرو الآن، لكن ذلك لا ينبغي أن يشغله عن مهمته الاستراتيجية، التي تتعلق بالمستقبل، وهي أن يسعي لتحويل شعار 'تحرير الإعلام' إلي رؤي وخطط تفصيلية وتنظيمات ومشروعات قوانين، تتعلق بكيفية التصرف في الإمبراطورية الإعلامية التي تملكها وتديرها وتوجهها الحكومة، من قنوات تليفزيونية ومحطات إذاعية ومؤسسات صحفية قومية، وتنظيم ممارسة المصريين لحريتهم في الرأي والتعبير عبر الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، فهو ليس وزير ماسبيرو وحده، وليس وزير الإعلام الذي تملكه الحكومة فقط، ولكنه الوزير المنوط به مسؤولية إعادة بناء المنظومة الإعلامية بكل أدواتها، سواء تلك التي تملكها الحكومة، أو التي يملكها القطاع الخاص.. علي قاعدة لا تحتاج إلي شطارة أو حذلقة: حرية بلا حدود.. ومسؤولية اجتماعية ومهنية بلا حدود. تلك مهمة ليست مستحيلة لو أن 'أسامة هيكل' عاد إلي الدراسات الكثيرة التي أعدها خبراء في وزارته خلال السنوات العشر الأخيرة، ولم تجد طريقها إلي التطبيق، لأن أحداً لم يكن يريد 'تحرير الإعلام' فعلاً.. ولو أنه أدار حواراً واسعاً حول الموضوع لتوصل إلي رؤية تحقق الهدف، الذي بدون تحقيقه لن تكون مصر بلداً ديمقراطياً كما نتمناه جميعاً.