أوائل التسعينيات كانت زيارتي الوحيدة الي ليبيا، كانت بكل المقاييس غرائبية تماما.. المؤتمر ثقافي، والوفد المصري وحدة يتجاوز 90 كاتبا ومبدعا »سينمائيين ومسرحيين وشعراء ومغنين ورسامين« رغم المقاطعة العربية لمصر، بسبب »كامب ديفيد«.. ورغم أن »الديمقراطية« كانت عنوان المؤتمر وموضوع محاوره علي مدي ثلاثة أيام، ففي حفل الافتتاح حرص عبد السلام جلود »نيابة عن القذافي« علي تقديم التحية للمؤتمر وضيوفه، وبالفعل ألقي كلمة افتتاحية، استمرت طوال الأيام الثلاثة!! استفزت كلمة جلود المصريين، فقام أعضاء الوفد بالرد عليه ، وهو الحوار أو التراشق الذي شغل المؤتمر كله، وتلك حكاية طويلة ليست هي ما أريد الاشارة له هنا..! ثمة شيء آخر كان أكثر إزعاجا ودهشة، ربما لم أشعر بالمجتمع البوليسي، أو قبضة الأمن القوية والباطشة، كان هناك ما هو أشد وطأة، وأكثر بطشا، كان هناك »الشعار«.. علي امتداد الطريق من المطار وحتي الفندق، لا توجد سوي لوحات ارشادية، أقوال مأثورة من »الكتاب الأخضر«، وشعارات »الراجل قبل الراكب«، »التمثيل تدجين« والمقصود التمثيل النيابي.. الشعارات هي لوحات الاعلانات الضخمة، التي تملأ الشوارع، وتضيئها أيضا في المساء.. الأشد دهشة، هو الفندق الأنيق والفخم، لاتوجد لوحات فنية معلقة علي الجدران، بدلا منها هناك عبارات من الكتاب الاخضر، مكتوبة داخل »براويز« فخمة، هي كل ما يزين جدران الفندق.. تجلس لتتناول الإفطار في المطعم، تحاصرك الشعارات علي الحائط!! تجلس في بهو الفندق لتتناول الشاي، أو تتبادل الحوارمع صديق، تطالعك الشعارات من كل جانب..!! كان ثمة شيء قاتل، يسحب الهواء والروح، ويخنق الحرية!!