كانت الجولات الرئاسية المصرية المتكررة والمتعددة وغير المبررة، التي تجري شرقا وغربا وشمالا، وكانت قليلة ونادرة الي افريقيا التي نحن في شمالها. وفي كل جولة كانت تصريحات وزراءنا تؤكد ان العلاقات بين رئيسنا، وشقيقه الامير أو الملك، قوية ومتينة.. وان العلاقات بين رئيسنا وصديقه. الرئيس أو رئيس الوزراء الاوروبي، هي علاقات أخوية.. وكان »السادة« الوزراء يؤكدون نجاح الزيارة التي لم تبدأ بعد، قد حققت اهدافا.. ونقرأ ونسمع ونشاهد تصريحات عن تعاون استراتيجي في جميع المجالات وعن وثائق تعاون »برضك« استراتيجي بين مصر وكل دولة.. وتوقيع 61 اتفاقية و41 بروتوكول و12 وثيقة وإعلان مبادئ ونوايا ومذكرات تفاهم في جميع مناحي الحياة وزيادة التبادل التجاري وفرق من رجال الأعمال تزور مصر لبحث مجالات الاستثمارات وتوفير آلاف من فرص العمل وتصدير الانتاج لدول العالم وتنتهي الزيارة وكل زيارة أو جولة عربية أو أوروبية أو أمريكية أو صينية بانها حققت أهدافها كاملة وان النتائج فاقت كل التوقعات! وتكون النتيجة زيادة الواردات من هذه الدول واغراق السوق المصرية بمنتجات هذه الدول مقابل اغلاق المصانع المصرية وزيادة اعداد البطالة في مصر!! أيضا وزراء الرئيس السابق وليس وزراء الشعب كانوا يسيرون علي نفس النهج، رحلات متكررة لدول بعينها في أوروبا وأمريكا سفريات متعددة ومتكررة عشرات المرات، لم يقابلها زيارة واحدة للعديد من الوزراء لاحدي محافظات الصعيد أو حتي محافظات بحري الفقيرة.. عشرات الاتفاقيات في كل مجال، تعاون في كل ما نتمناه ونحلم به، صاحب هذه الزيارات وفود واعداد ضخمة تذكرني برحلاتنا في المدرسة إلي حديقة حيوان الجيزة، الفارق ان هذه الوفود المرافقة للوزراء من الإعلاميين الجدد والسكرتارية والحرس تفوق اعداد الوفد الرسمي، ولم تقتصر الزيارات علي الوزراء بل امتدت للقيادات البرلمانية والاتحادات النقابية، آخرها علي سبيل المثال وصل عدد الإعلاميين المرافقين للوفد العمالي إلي مؤتمر منظمة العمل الدولية إلي 02 إعلاميا مدة الرحلة شهر كامل في جنيف علي نفقة اتحاد عمال مصر! هل يعقل هذا في بلد عدد العاطلين فيه يزيد عن عدد من يعملون، وعمال لا يجدون عمل ويبحثون ويستجدون عملا، واعانة بطالة لا تزيد عن مائة جنيه شهريا أو أكثر قليلا فلا يجدونها، ويهرب من مواجهتهم قياداتهم النقابية التي تتعلل بضيق ذات اليد، وعدم وجود موارد مالية الا للسفر للخارج وركوب السيارات الفارهة والمكاتب المكيفة فقط! للأسف كل هذه السفريات والزيارات والاتفاقيات التي نتجت عن هذا العبث، كانت لا تساوي قيمة الورق الذي كتبت عليه، والنتائج بمجرد عودة الوفد تكون قد طويت ودخلت في دائرة النسيان، لانها كانت زيارات رسمية لاشقاء وأصدقاء رأس الدولة ووزرائه، لتأكيد العلاقات القوية بين الرئيس واشقائه والحرص علي تثبيت أواصر الصداقة والاطمئنان علي البيزنس والمصالح الشخصية وتحقيق المزيد منها.. وما يتبع ذلك من تقديم المجاملات والتسهيلات والتيسيرات للأصدقاء، أما المشروعات والاستثمارات وفرص العمل فهي أضغاث أحلام سرعان ما تتبخر في الهواء.. يؤكد ذلك تزايد اعداد البطالة! وعلي مستوي الوزراء- رجال الأعمال- فكانت النتائج أعظم سوءا حيث يتم منح الجنسيات لهم وتوقيع الاتفاقيات لمشروعات شركاتهم الخاصة وتمنح التيسيرات والتسهيلات لهذه الدول ويزداد الاستيراد منها إلي مصر ويربح الوزراء رجال الأعمال الملايين والمليارات واعتقد ان ذلك ظهر بوضوح في ممتلكات الوزراء السابقين المتهمين من رجال الأعمال وغير رجال الأعمال، وما خفي بالتأكيد أعظم جرما وعمالة!! ورغم كل ذلك تصدر عناوين الصحف ونشرات الأخبار المرئية والمسموعة عن تلك الزيارات وتصفها بانها تاريخية وحققت وانجزت ووضعت مصر علي اعتاب ومصاف الدول الواعدة.. بل الدول الصناعية الكبري.. وهي بالفعل وضعت مصر علي اعتاب وأبواب هذه الدول ولم تتحرك ولم تستطع ان تدخلها؟ وتزداد الفجوة بين مصر وهذه الدول، بل سبقتها دول لم تكن نسمع عنها مطلقا، وتصدرت المشهد وأصبحت قوة يحسب لها كل حساب في عالم الاقتصاد والسياسة!! ويؤكد ذلك بوضوح الميزان التجاري المصري الذي تزداد فيه الهوة بين ما تصدره مصر ويتضاءل امام ما تستورده من تلك الدول ويتعاظم الوضع السئ بصورة محبطة حيث انه من الصعب جدا ان تري الميزان التجاري المصري في أصغر دولة في العالم يكون لصالح مصر!! عناوين الزيارات الرئاسية في الصحف واجهزة الإعلام تؤكد بعد كل جولة ان العلاقات السياسية بين مصر ودولة ..... علي أعلي مستوي من التفاهم والتعاون في كل القضايا الإقليمية والدولية.. وان البلدين -أي بلدين- متفقان علي تبني مواقف موحدة في كل القضايا أمام المحافل الدولية.. كل ذلك دفعني الي توجيه سؤال إلي الرئيس السابق عقب احد الجولات الرئاسية الأوروبية.. قلت له، إذا كانت علاقاتنا السياسية مع جميع دول العالم تقريبا علي أعلي مستوي.. لماذا لم تنعكس هذه العلاقات علي المجالات الاقتصادية بين مصر وهذه الدول؟ ببساطة قال: احنا بنعمل اللي نقدر عليه.. آهه!! تذكرت موقف ودور مصر في تحرير الكويت، وكان هذا الدور أساسي ومهم ومحوري ولو لم تقم مصر بهذا الدور كان يمكن ان تسير الأمور عكس ذلك.. وما يؤكد ان الجولات والزيارات الرئاسية كانت تصب في خانة الاشقاء الرؤساء والأمراء والملوك وليس في صالح الشعوب، يفسر ذلك تصريحات مجموعة المحامين الكويتيين للدفاع عن الرئيس السابق ردا لجميله ودوره في تحرير الكويت، وليس لرد الجميل للشعب المصري وقواته المسلحة! وبعد تحرير الكويت انتظر الشعب المصري رد الجميل بارساء بعض مشروعات اعادة الإعمار للشركات المصرية، لكن للأسف الشديد.. اكتفت مصر بكلمات شكر لم توجه للشعب المصري! علي الرغم من ان من سمح بعبور الطائرات الأمريكية وطائرات التحالف قبض الثمن كاش ومقدما بمليارات الدولارات! أقول ان نتائج الزيارات تختلف في ممارسة عدد من الدول ضغوطا رهيبة علي المجلس العسكري لوقف محاكمات الرئيس السابق شقيق الملوك والرؤساء والأمراء والزعماء العرب، وحماية وإيواء عدد من الوزراء الهاربين وبعض المتهمين، بل لاقي المصريون متاعب ومضايقات غير مسبوقة بسبب هذه المواقف.. لكن مصر وشعبها مش مشكلة علي الاطلاق! كل الزيارات والجولات الرئاسية والوزارية والبرلمانية والنقابية ومئات الآلاف من الاتفاقيات التجارية والاستثمارية والتجارية مع معظم دول العالم كانت اهدافها في العلن زيادة الاستثمارات واتاحة فرص العمل لأبناء مصر.. حققت نتيجة عكسية تماما، حيث زادت اعداد العمالة الأجنبية في مصر بصورة لم يسبق لها مثيل وتخطت »المليونية« في مختلف مجالات العمل، كما زادت أيضا اعداد البطالة من العمالة المصرية! زيارة رجب طيب اردوغان لمصر استخدم فيها نجاح سياسته الداخلية والخارجية بصفة خاصة -والتي حظيت باعجاب الجانب المصري واحرجت حكومته- لخدمة الاقتصاد التركي بامتياز ومرجع هذا النجاح مواقف اردوغان السياسية الاخيرة من إسرائيل رفعت شعبيته في مصر ونجح في ان يبيع لها مواقفه السياسية مقابل مزيد من النشاط التجاري للشركات التركية المنافسة في مصر. اردوغان ساهم في نهضة بلاده بقوة خلال فترة تقل عن ثلث الفترة التي مكث فيها النظام الفاسد في مصر، واستطاع اردوغان وحزبه ان يحول بلاده إلي قوة اقليمية يحسب لها كل حساب وقوة اقتصادية قوية بموافقة السياسة المثمرة وفي توظيف نجاحه السياسي لخدمة اقتصاد بلاده وليس لصالح حفنة من المنتفعين من رجال الأعمال الاتراك الفاسدين أو السياسيين الفاشلين غير الموجودين في الحقيقة.. بينما تمكن النظام المصري الفاسد السابق هنا من تحويل مصر إلي كيان محلي وفشل في توظيف الدور المصري السياسي لخدمة الاقتصاد، لكنه نجح بامتياز في توظيف السياسة والاقتصاد لخدمة مصالحه الشخصية فقط! هل نتعلم من زيارة اردوغان كنموذج ناجح لزيارة العمل وليس لزيارات الاشقاء والاصدقاء من الملوك والرؤساء والأمراء؟!