عكس مؤتمر الاعمال الخليجي الصيني ثلاث حقائق: أولاها: الرغبة المشتركة للصين ودول مجلس التعاون الخليجي في تعزيز وتطوير علاقاتهما. ثانيتها: وجود نقص في المعلومات لدي كل طرف عن الطرف الاخر. وثالثتها: عدم الإدراك الكافي لدي كل طرف لمقومات التعامل، والتفاوض مع الطرف الاخر، بعبارة اخري عدم فهم قواعد التفاوض العربي لدي الصين، وعدم فهم قواعد التفاوض الصيني لدي العرب. وبناء علي ذلك فإن هذا المنتدي سوف يسد فراغا علميا وسياسيا وعمليا في علاقات المجتمعات ورجال الاعمال، بل والمثقفين والسياسيين بعضهم بعضا، ولعل اختيار البحرين لتكون هي مكان انعقاد الملتقي يبشر بخير لتوجهات البحرين نحو تنويع مصادر نشاطها الاقتصادي ودخلها، وفي تعزيز دورها كدولة خليجية لديها انفتاح سياسي واقتصادي واجتماعي، وثقافي، وفي تعزيز توجهاتها نحو اقتصاد الخدمات، التي منها عقد المؤتمرات الدولية، وخاصة في ظل اتجاه البحرين لتعويض النقص في إمكانياتها النفطية بمصادر نشاط اخر اهمها في تقديري قطاع الخدمات المتمثل في السياحة والمصارف بما فيها المصارف الإسلامية. ولقد برز في مداخلات الوفود من الصين ودول مجلس التعاون الخليجي في هذا المنتدي ثلاثة أمور: أولها: ان كل طرف يسعي لتسويق سلعته لدي الطرف الاخر، وهذا موقف ايجابي ويعبر عن حقيقة المؤتمر، كمؤتمر لرجال الاعمال ومن ثم ابتعدت كلمات الوفود عن العبارات والمواقف العامة كما ابتعدت عن المداخلات السياسية والانشائية. ثانيها: ان بعض الوفود عرضت لأطر عامة للتعاون بالقول اننا في حاجة للاستثمار، ويمكن تقديم التسهيلات او اننا نسعي لزيادة حجم التجارة إلي اكثر من مائة مليار دولار وهو الرقم الحالي لحجم تجارة الطرفين عام 9002 رغم وجود تضارب في الارقام بين المتداخلين ومعظمها، لم يشر سوي لإحصاءات عام 8002. وثالثها: اهتمام القيادة الرشيدة باستقبال رؤساء الوفود من الصين ودول الخليج، وقد استقبلهم صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء بل ان المؤتمر بأسره برعاية كريمة من سموه، وهذا يدل علي حرص البحرين علي تطوير علاقاتها الدولية بالاتجاه نحو الشرق وبخاصة نحو الصين القوة الصاعدة الرئيسية في العالم المعاصر. بقي ان نشير إلي أمرين، الاول ان اقليم ننغشيا NINGTIA كما سبق الاشارة اقليم به اغلبية مسلمة، والمسلمون في ننغشيا يختلفون عن المسلمين في اقليم سينكيانج، فالمسلمون في ننغشيا هم مسلمون صينيون في ملامحهم وسلوكهم، لانهم إما من اصول صينية اعتنقت الاسلام، أو من الزواج المختلط بين مسلمين عرب وايرانيين عبر العصور وبين صينيين ، ويطلق عليهم اسم »خوي« وهم يمثلون اغلبية المسلمين في الصين في المناطق الاخري، وهم اكثر اندماجا في المجتمع الصيني، وتغلغلا في الحضارة الصينية، وفي اجهزة الدولة ونظامها السياسي والاجتماعي والثقافي، وليست لديهم اتجاهات متطرفة او متشددة. ولكنهم في حاجة للتعاون الاقتصادي والثقافي مع الدول العربية، وبخاصة دول الخليج التي لديها رؤوس اموال تبحث عن منافذ للاستثمار، وهو استثمار مجز اقتصاديا وسياسيا. الصين بدورها تهتم بتطوير مناطقها الداخلية في إطار خطتها التي بدأت منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وهذه تشمل مناطق ننغشيا وغيرها من الاقاليم الغربية لأن التقدم الصيني قام في البداية علي المناطق الشرقية والجنوبية المواجهة جغرافيا لهونج كونج وتايوان وكوريا واليابان، وهي موانيء التصدير لسهولة تصدير انتاجها، ولكن الآن تتجه الصين لتنمية مناطق الدخل، وهذا يجعل المجال مفتوحا لمزيد من الاستثمارات العربية، ولكن لتحقيق ذلك فلابد ان تأخذ الصين في حسبانها ثلاث حقائق: أولاها: التراث الفكري والحضاري العربي وأثرة في رغبة العرب في تحقيق عائد إيجابي وسريع، بمعني سرعة عقد الصفقات، وأسلوب الصين القائم علي الصبر الطويل، والتفاوض اربعة عشر عاما من اجل انشاء مصفاة سعودية للنفط ليس مناسبا للعقلية العربية. الثانية: الاخذ في الحسبان ان الاعمال والتجارة والاستثمارات، وباختصار جميع التعاملات الاقتصادية تقوم علي الاخذ والعطاء او الكسب لجميع الاطراف اما الكسب لطرف واحد فليس معقولا ولامقبولا. والصين تجيد ذلك في تعاملاتها مع الغرب، والمفاوض الصيني معروف بأنه صعب المراس، ولكن هذا المنطق ينبغي ان يتلاءم مع الطبيعة العربية. الثالثة: أهمية مراعاة الصين للحساسيات العربية بالنسبة لبعض الموضوعات السياسية الخاصة بمنطقة الخليج العربي او القضية الفلسطينية وبخاصة القدس، كما ينبغي علي العرب مراعاة حساسيات الصين بالنسبة لتايوان والتبت وسينكيانج، وهكذا يمكن ان يحرص كل طرف علي مراعاة مصالح الطرف الآخر، واهتماماته واولوياته السياسية، فليس هناك تجارة بلا سياسة ولا اعمال بلا سياسة، والفصل بين الاثنين امر صعب رغم ان الصين ترفع شعار الفصل بين السياسة والاقتصاد فإنها تطبقه انتقائيا وبمرونة، وربما يحتاج الطرفان لمكاتب استشارية سياسية من مواطني الطرفين علي غرار المكاتب الاستشارية السياسية في الدول الغربية ولكن ليس مكاتب استشارية سياسية عربية، فكل يعرف مصالحه وأدري بشعابه، كما يقول المثل العربي أهل مكة أدري بشعابها. تلك تأملات وملاحظات حول منتدي الاعمال الصيني الخليجي الذي هو المنتدي الثاني، اذ سبق وعقد المنتدي الاول في مدينة سينيا في اقليم هاينان في بحر الصين الجنوبي، وهي من اوائل مناطق الصين التي تعاملت مع الاسلام عبر التجارة، وبها كثرة من المسلمين المتمسكين بأمور دينهم والذين يجيدون اللغة العربية. فهل تتحقق تطلعات رجال اعمال ننغشيا في استثمارات خليجية، نأمل ذلك. كاتب المقال: مستشار الدراسات الاستراتيجية الدولية في البحرين وخبير الشئون الآسيوية والصينية