لهذا السبب.. السيسي واجه الأممالمتحدة بعجزها وعرض رؤية عملية لاستعادة دورها العلاقات المصرية الأمريكية بين الإرث الثأري و»الكيمياء الخاصة» عمومية العالم.. وميلاد مصر كقوة إقليمية عظمي تخطيط متقن وإعداد متميز بفريق عمل رفيع متناغم لتحقيق رؤية وأهداف الرئيس إذا كان مجلس الأمن يمكن أن نطلق عليه مجلس إدارة العالم.. فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة هي جمعيته العمومية.. فيها تحرص كل دولة علي المشاركة والحضور بتمثيل يتماشي أولا مع مكانتها في المجتمع الدولي وثانيا حاجتها من تلك المشاركة سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. ورغم أن مصر من أوائل الدول الخمسين الذين تشكلت منهم الأممالمتحدة.. إلا أن مشاركتها في فعاليات المنظمة الدولية لم تكن أبدا متناسبة مع مكانة مصر الإقليمية والدولية أو حاجتها من هذا التجمع الدولي المهم.. وظلت هكذا لسنوات وعقود مكتفية بالتمثيل بمندوبها الدائم بالأممالمتحدة أو وزير خارجيتها في أفضل الظروف.. حتي حول الرئيس عبد الفتاح السيسي هذه الاجتماعات إلي حدث سنوي مهم للغاية.. سواء لعرض التطورات الحقيقية للتجربة المصرية بعد ثورة 30 يونيو بعيدا عن حملات التشويه والتشكيك المغرضة.. أو لترسيخ دعائم الميلاد الجديد لدولة قوية رائدة وقائدة في محيطها الإقليمي وذات فاعلية وتأثير علي المستوي الدولي.. وفي كل مرة كانت تؤتي المشاركة المصرية في هذا المحفل الدولي أُكلها بعد فعاليات ولقاءات مكثفة ومخططة ومبنية علي أساس عملي وعلمي يراعي أهداف ومحددات أمنها القومي واستراتيجيتها الدولية. مشاركة هذا العام في اجتماعات المنظمة الدولية اكتسبت أهمية خاصة لمصر.. فهي تأتي بعد فترة رئاسية أولي للرئيس السيسي سعت لتثبيت دعائم الدولة الوطنية ووضع خارطة طريق محددة المعالم في كل المجالات.. وزرع بذور التنمية والنمو.. وانتصار واضح علي إرهاب غاشم ممول من دول وأنظمة تتربص بمصر لكن خطره مازال قائما.. ومع بدايات فترة رئاسية ثانية تضع في أولوياتها بناء الإنسان المصري وجني ثمار ما تم زرعه من بذور التنمية.. واستكمال الإنتصار علي قوي الشر والإرهاب في حرب خاضتها مصر ومازالت نيابة عن العالم أجمع ودفعت ثمن هذا النصر من دماء أطهر أبنائها من رجال القوات المسلحة والشرطة.. وترسيخا للدولة الفتية القائدة وتوسيع مجال علاقاتها إقليميا ودوليا.. وإدراكا بأهمية مشاركة هذا العام تم وكالمعتاد في المشاركات السابقة الإعداد الجيد والمتميز لها من خلال فريق عمل علي أعلي مستوي يتسم بالتفاهم والقدرة علي تحويل رؤي وأهداف الرئيس السيسي إلي خطط عملية وواقع ملموس.. وكانت النتيجة مشاركة وتواجدا مصريا قويا وفاعلا يعبر عن آمال وطموحات ومطالب مصر من العالم وقبولها أيضا لمطالبه في جمعيته العمومية بما يتماشي أولا وأخيرا مع المصالح الاستراتيجية العليا لمصر الحاضر القوي والمستقبل الذي يتمناه الجميع مشرقا.. وخلال أيام معدودة.. فقد عقد الرئيس 19 لقاء قمة ثنائية وجماعية مع أبرز القادة والمسئولين الدوليين، واستمع العالم للرئيس في 4 قمم عالمية خلال 4 أيام هي الدورة ال73 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقمة نيلسون مانديلا للسلام، وقمة مواجهة تغيرات المناخ، وقمة مجموعة دول ال 77 والصين. ملفات مهمة ومن خلال معايشتنا ومتابعتنا عن قرب للمشاركة المصرية.. نستطيع أن نرصد ملفات محددة كانت هدفا للمشاركة المصرية هذا العام ونرصد أهم ما تم في تلك الملفات. ولأن مصر التي كانت تحاول المرات السابقة في اجتماعات الأممالمتحدة مواجهة الإدعاءات الباطلة حولها وترسيخ الصورة الصحيحة عما يحدث بها.. لكن هذه المرة تأتي لتعلن للعالم أجمع قيادتها وريادتها للمنطقة.. لذلك كان ملف الصراعات والنزاعات الإقليمية علي أولوية مصر القوي الإقليمية العظمي.. وكان الهدف الرئيسي في هذا الملف فضح حقيقة الصراعات الدولية علي الأراضي العربية علي حساب حاضر ومستقبل شعوبها.. لذك كان الرئيس عبد الفتاح السيسي واضحا وصريحا بكافة لقاءاته في فضح هذا الدور الدولي المشبوه.. وعجز المنظمة الدولية والقوي المختلفة أمام حماية شعوب المنطقة.. وتجلي هذا بوضوح شديد في كلمة الرئيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.. فقد أكد بوضوح أن هناك قصورا وتقصيرا كبيرين من الأممالمتحدة والقوي المختلفة في مواجهة تفكك الدولة الوطنية ومواجهة المنطقة العربية مخاطر التفكك وانهيار الدولة الوطنية لصالح موجة إرهابية وصراعات طائفية ومذهبية. وتحدث الرئيس وبوضوح شديد عما يواجه الأشقاء في سوريا واليمن وليبيا في ظل عجز دولي مبين.. وبالطبع كانت القضية الفلسطينية أولوية قصوي للرئيس الذي شرح وبوضوح شديد الثوابت المصرية التي قد تغضب قوي عظمي وهي ضرورة الإسراع بحل الدولتين.. وقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدسالشرقية وضمان أمن وأمان الفلسطينيين وحصولهم علي حقوقهم المشروعة.. وكانت تلك القضايا محورا رئيسيا في لقاءات الرئيس السيسي مع قادة العالم بدءا بدونالد ترامب مرورا بنتنياهو وقادة أوربا.. وحمل الرئيس أيضا هموم الشعوب الإفريقية بل وشعوب العالم الثالث والدور الغائب عن تلبية متطلبات التنمية والعيشة الكريمة لتلك الشعوب. ولن تكون مصر الدولة الإقليمية القائدة في محيطها إلا بتواجد ودور دولي قوي أيضا يعزز الدور الإقليمي.. وتجلت القوة الدولية لمصر ليس فقط في لقاءات الرئيس السيسي المتعددة والمتنوعة.. ولا في عدد كبير من القادة حول العالم طلبوا لقاء الرئيس لكن جدول الزيارة ووقتها لم يسمح ببعضها.. إنما تجلت بوضوح شديد في كلمة الرئيس أيضا أمام الجمعية العامة.. التي اتبع فيها الرئيس الدبلوماسية القوية والهادئة في نفس الوقت من خلال مصارحة الأممالمتحدة بعجزها عن القيام بدورها علي أكمل وجه.. وحماية شعوب المنطقة من تفكك الدولة الوطنية.. وعجزها عن دورها الذي أنشئت من أجله علي حد تعبير الرئيس وهو الحل السلمي للصراعات والنزاعات الإقليمية والدولية عارضا رؤية مصرية شاملة وواضحة لكيفية استعادة المنظمة الدولية دورها وأساس عملها.. لا يمكن لرئيس أن يتحدث بتلك الصراحة والقوة إلا إذا كان يستند إلي دولة قوية فتية مستقرة مستقلة في قرارها. العلاقات الأمريكية وكيميا ترامب وفي الشأن الدولي نصل إلي محطة مهمة وملف رئيسي ومحوري.. وهو العلاقات المصرية مع أقوي وأهم دولة في العالم وهي أمريكا.. وبالفعل أكدت زيارة هذا العام أن هناك تحولا استراتيجيا مهما في تلك العلاقة.. حيث تم تثبيت الندية في العلاقات بين البلدين وليس التبعية كما كان لعقود.. فمصر بعد ثورة 30 يونيو ترسخ كما قلنا دعائم الدولة القوية مستقلة القرار متعددة العلاقات الدولية بناء علي متطلبات أمنها القومي ومصلحتها العليا.. لذلك تعددت علاقاتها شرقا وغربا.. وفي الحالة الأمريكية والتي حفلت بإرث ثأري أيام حكم باراك أوباما ضد مصر 30 يونيو والرئيس عبد الفتاح السيسي حيث هدمت الثورة مخطط أمريكا للمنطقة أيام حكم المرشد وعشيرته بطمس هوية المنطقة كلها وتحويل مصر عمود خيمتها إلي مجرد محطة في نظام جديد للمنطقة يقوده أهم حلفاء أمريكا وعلي رأسهم تركيا وإسرائيل.. وسعت أمريكا جاهدة لهدم مصر 30 يونيو وتشتيتها من خلال حملات مضلة وحصار سياسي واقتصادي.. وعندما فشل مخططها اعتري الفتور العلاقات بين البلدين مع احتفاظ إدارة أوباما بإرثها الثأري الذي كان مرشحا للاستمرار لو فازت هيلاري كلينتون.. لكن فوز دونالد ترامب أحدث بعض التغيير في الموقف الأمريكي أو علي الأقل لم يحمل الإرث الثأري تجاه مصر ورئيسها.. وبدأت بعض التغييرات الإيجابية في الموقف الأمريكي تجاه مصر. وهنا لابد أن نشير إلي نقطة مهمة.. فالكثيرون يرجعون هذه التطورات إلي ما أسموه » كيميا خاصة » بين الرئيسين السيسي وترامب وهو التعبير الذي استخدمه ترامب نفسه في حديثه عن تقديره للرئيس السيسي.. لكن في رأيي أن الحديث عن الكيميا الخاصة وعلاقتها بالتغيير في الموقف الأمريكي فيه إجحاف كبير لمصر بعد ثورة 30 يونيو وللرئيس السيسي نفسه.. فالإدارة الأمريكية برجماتية بحتة تحكمها فقط لغة المصالح وليس العواطف.. ولأن ترامب يهمه أساسا تحقيق مصالح أمريكا وتحقيق نجاح يثبت فشل إدارة أوباما.. جاء التحول في الموقف الأمريكي.. دعم هذا التحول بالطبع طبيعة شخصية الرئيس السيسي كزعيم قوي وهادئ يهمه في المقام الأول والأخير مصلحة بلاده ومكانتها وليس مصلحة أو مكانة شخصية. والملمح المهم في العلاقات بين البلدين أن إدارة ترامب ورغم التقارب مع مصر لكنها حاولت إعادة سياسة التبعية أو إملاء شروط علي مصر مقابل بعض ما رأته مكاسب منها إعادة 330 مليون دولار تم اقتطاعها من المساعدات الأمريكية لمصر لعامي 2016 و2017.. لكن ثبات مصر علي رفض التبعية والإملاءات وإبدالها بالعلاقات الندية دفع إدارة ترامب علي إعادة تلك المبالغ دون شروط أو تنازلات مصرية قبل وصول الرئيس نيويورك بأسابيع قليلة.. وجاء طلب ترامب لقاء الرئيس الذي تم في مقر إقامة الرئيس السيسي بنيويورك.. ولعل أكبر دليل علي نجاح اللقاء والتغيير في الموقف الأمريكي تغريدة الرئيس ترامب فور انتهاء اللقاء بسعادته بلقاء شخصية عظيمة مثل الرئيس السيسي وهو ما رد عليه بالمثل الرئيس عبد الفتاح السيسي تأكيدا لسياسة جديدة بين البلدين أساسها الإحترام والندية. فزاعة حقوق الإنسان ولعل ملف حقوق الإنسان كان حاضرا في الزيارة.. هذا الملف الذي كان ومازال يستخدم كفزاعة ضد مصر ومحاولة تشويهها.. لكن الرئيس عبد الفتاح السيسي وبذكاء شديد ألقي الكرة في ملعب مستخدمي تلك الفزاعة وعلي ملأ من العالم كله في كلمته أمام الجمعية العامة مشددا علي القصور الكبير في تعامل المجتمع الدولي مع قضايا حقوق الإنسان وأن حماية حقوق الإنسان لن تتحقق بالتشهير الإعلامي وتسييس الموضوع وتجاهل التعامل المنصف مع كافة مجالات حقوق الإنسان بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. كاشفا أن مصر لديها أساس دستوري لحماية حقوق الإنسان بأشمل معانيها من تفعيل وتمكين قطاعات عديدة في مقدمتها المرأة والشباب.. والحرب الضروس علي الإرهاب لتوفير حق الإنسان ليس المصري فقط إنما في العالم كله في الأمن والأمان. والملف المهم أيضا والرئيسي الذي يحمله الرئيس دائما في زياراته الخارجية وهو الملف الاقتصادي.. فرغم أن السياسة كانت غالبة علي زيارة الرئيس بالطبع إلي نيويورك.. لكن حتي السياسة تخدم أيضا الاقتصاد بشكل كبير.. وكان التعاون الاقتصادي حاضرا في مباحثات الرئيس مع جميع القادة الذين التقاهم في نيويورك.. ناهيك عن لقاءات اقتصادية بحتة علي رأسها لقاء الرئيس السيسي مع مديرة صندوق النقد الدولي ورئيس البنك الدولي ورئيس شركة بوينج وأعضاء غرفة التجارة الأمريكية وكبار المستثمرين.. وما شهدته من إشادات بالتطورات الاقتصادية بمصر والإتفاق علي تعاون يعود بالنفع علي اقتصادنا القومي. قوي الشر ومائدة الزعماء وفي الختام نجد أن هناك مؤشرات عديدة علي النجاح الكبير للمشاركة لزيارة الرئيس السيسي لنيويورك والمشاركة المصرية في الجمعية العمومية للعالم.. وهنا نشير إلي نقطتين مهمتين تؤكدان نجاح زيارة الرئيس وتغير النظرة الدولية وحتي المحلية لدور مصر.. ومن منطلق هذا الدور حرصت الأممالمتحدة ومن خلال المراسم التقليدية أن يكون الرئيس جالسا علي المائدة الرئيسية في حفل الغداء الذي أقامه أنطونيو جوتيارس سكرتير عام الأممالمتحدة تكريما لرؤساء الدول والحكام والملوك المشاركين في افتتاح دورة الجمعية العامة.. وجلوس الرئيس السيسي علي المائدة الرئيسية إلي جانب السكرتير العام والرئيس ترامب تأكيد علي ميلاد مصر كقوة إقليمية عظمي. والنقطة الثانية ما كانت تقوم به قوي الشر وأتباعها في أمريكا من تنظيم وقفات وترديد هتافات تنال من مصر في إطار محاولات تشويهها وإحراجها دوليا.. لكن هذا العام شهد ترجاعا كبيرا لتلك الوقفات التي كانت شبه غائبة.. وهذا في رأيي تأكيد لنجاح مصر علي كافة الأصعدة وترسيخ قوتها بحيث لا تنال منها مجرد وقفات مخادعة وهتافات مغرضة.. وثانيا يأَّسَ قوي الشر هذا النجاح الذي أصاب قوي الشر بالإحباط من محاولاتهم اليائسة لتشويه مصر الجديدة. في المقابل تزايدت وقفات المؤيدين لمصر ورئيسها طوال أيام الزيارة وتحت المطر مؤكدين ثقتهم في بلادهم.. مرددين ونحن نردد معهم »تحيا مصر».