أمام السفارة الإسرائيلية التي تقع في عمارة سكنية، أخرج شخص ما، غير معروف حتي الآن مسدسه وأطلق أعيرة نارية في الهواء، وصفق له جمهور المتظاهرين، واختفي بدون أن يتم تحديد شخصيته، عمل أحمق بامتياز، بل ان الريبة ليست بعيدة عنه، فبالإضافة إلي الخطورة المحتملة في إصابة أبرياء، فإننا لم نسمع ولم نعرف إطلاق أعيرة حية في أي مظاهرة سلمية في العالم، حتي مليونيات الثورة في ذروة تأججها لم تعرف العنف. إن حدثا مثل هذا قد يؤدي إلي تداعيات في اتجاه صدام مع إسرائيل لن تكون له إلا تداعيات كارثية، الجماهير ليست دائما علي حق، خاصة عندما تغيب قوي سياسية تقودها وتنظمها وتضع لها الأهداف وتحقق الانضباط حتي لا تتحول الأمور إلي فوضي. ثمة ظواهر غريبة تحدث الآن. وبدت واضحة في أحداث العباسية. إذ يقدم البعض علي استفزاز الجيش، بل وصل الأمر أحيانا إلي توجيه السباب المهين إلي أفراده، وكأن ثمة قوي أو عناصر خفية تحاول استفزاز الجيش ودفعه إلي إطلاق النار، أي ارغامه علي فعل ما تجنبه تماما وما يتسق مع تاريخه، ألا تخرج طلقة في اتجاه الشعب، في أحداث الثورة كانت الأمور صحية، حضارية، منضبطة، حتي في مظاهرة السلفيين كان الانضباط محكما، الآن توجد عناصر كثيرة مريبة. للتظاهر في العالم كله قواعده، تحديد الهدف من التظاهر، المدة التي سوف يستغرقها، يتم الحصول علي تصاريح من الأمن »أين هو في مصر الآن؟«. ويقوم البوليس بتأمين المتظاهرين والجمهور. لقد شاركت في مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في باريس ونيويورك، ولم تختلف الإجراءات في أي مكان في العالم، ورأيت مظاهرات صهيونية اتبعت معها نفس الإجراءات. اننا في حاجة إلي إحياء ثقافة التظاهر وترسيخها بحزم من خلال عمل مشترك بين القوي السياسية ومؤسسات الدولة، بشرط تواجد حكومة حقيقية تتسق مع تاريخ الدولة المصرية التي لم تعرف قط ظاهرة الحكومة التي تشكلت في الشارع، وتحكم بمنطق الشارع، وترضي الشارع، والنتيجة طلقات الرصاص الحية التي يمكن أن تتصاعد أكثر، وبالتالي يقع حريق هائل من مستصغر الشرر. جمال الغيطاني