عندما ينادي القاضي علي المتهم باسمه وهو في قفص الاتهام عادة ما يردد المتهم عبارة »أفندم« ولكن الرئيس السابق حسني مبارك الذي طالما قال هذه العبارة وهو ضابط في الخدمة لرؤسائه والذي طالما سمعها من مرءوسيه وهو قائد كبير نسي عبارة »أفندم« وأتي بدلاً منها بعبارة أخري سخيفة ليس لها مثيل في ساحات القضاء المصري وهي »موجود«! الفارق كبير جداً بين العبارة الأولي التي تعكس إحساس الخضوع والامتثال للقاضي والثانية التي تبرز الصلف والتحدي والاستنكار.. ولكن القاضي المستشار أحمد رفعت مرر العبارة دون أن يوقف قائلها أدباً منه بل هو مررها ثلاث مرات عندما سار الابنان علاء وجمال علي خُطا أبيهما.. وهذا ما زاد من استفزاز الناس لهذه الأسرة المتعجرفة التي لم تعترف ابدا بجرائمها في حق هذا الشعب ولم تطلب الصفح منه بل ربما تراهم ينظرون إلينا من داخل القفص بنظرة الجحود والاستنكار لأننا لم نحفظ جميل أنهم حكمونا واستغلوا ثقتنا فيهم وامتثال أغلبنا لهم فكسبوا وهتكوا وتربحوا علي حسابنا واعتبروا مصر عزبة يتقاسمون خيراتها فيما بينهم!.. وهذا ما يقودنا إلي التساؤل: كيف يري الحاكم المستبد نفسه؟.. هل يراها مثلما نراه ظالماً مستبداً وديكتاتوراً؟! للأسف فإن جميع الحكام المستبدين يعتبرون أنفسهم أبطالاً عظاماً ويعيشون حالة من خداع النفس تجعلهم يبررون كل ما يفعلونه حتي ولو كانت جرائم يعاقب عليها القانون. وقد سألت أحد العلماء: هل تجوز لمبارك توبة؟ فأجابني بسرعة: طبعاً.. بل إن الله قبل توبة العبد الذي قتل 001 إنسان لأنه أراد بقلبه مخلصاً أن يخرج من ذنوبه ويتوب عنها. ولكن المهم أن للتوبة شروطاً أهمها أن يعزم المذنب علي ألا يعود لارتكاب نفس الذنوب وأن يندم صادقاً علي ما ارتكب منها وأن يرد المظالم إلي أهلها ويسترضي المظلومين ليصفحوا عنه. فهل مبارك نادم علي الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب، وهل يشعر بمسئوليته عن كل ما مارسه نظام حكمه من أساليب قمعية ووحشية انتهكت حرمات الناس وسلبت حرياتهم واغتالت كرامتهم؟ ثم هل هو مستعد أن يعوض هؤلاء وما أكثرهم من ماله ومال أسرته عن بعض ما أضر بهم.. وأخيراً هل هو مستعد أن يرد للدولة كل ما استباحه هو وأسرته وأصدقاؤه من مال حرام ليعود الحق لأصحابه؟.. لو فعلها واعترف وندم وعزم علي رد المظالم فالله يقبل التوبة ويغفر الذنب ويتوب علي من تاب وهو الغفور الرحيم. ولكن السؤال هل يفعلها مبارك فعلا ويتوب وهو بعد لم يبلغ الغرغرة؟.. ليته يفعل! نوبة صحيان من رحمة الله بمصر والمصريين أن تأتي هذه الأزمة مع اسرائيل لتوحد صفوف جميع التيارات السياسية المتناحرة ليقفوا جميعاً في خندق واحد أمام عدو مشترك.. نعم فالأزمات هي التي تظهر معدن المصريين النفيس وعلي امتداد التاريخ كانت الأزمات وراء وحدة الصف، ونبذ الخلافات والفرقة، وربما ستندم اسرائيل التي كانت أكبر مستفيد من الخلافات الداخلية أشد الندم علي أنها تطاولت علي حدودنا واعتدت علي بعض رجالنا وتسببت في استعادة مصر لوعيها ولحقيقة الأخطار المحدقة بها. وقد أحسنت حكومة شرف حتي الآن في التعامل مع الأزمة في نوبة صحيان ما كان يجرؤ نظام مبارك أن يفعل مثلها!