"ما أراه الآن من مسار المحاكمات ينذر بالدوران في حلقة مفرغة". هكذا حذر د. عبد الحليم قنديل الناشط السياسي ورئيس تحرير جريدة صوت الأمة في تعليقه علي الجلسة الثانية (أمس) من محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه. وفي لهجة يشوبها القلق رغم اعترافه بالارتياح لمجرد الإتيان بمبارك الي المحاكمة وجه قنديل انتقادات عديدة لمسار المحاكمات وتكييفها.وبرر قلقه بأن السبيل الوحيد للإطمئنان علي مستقبل مصر هو المبالغة في القلق. في تصريحات خاصة للأخبار وصف قنديل تكييف التهم بأنه بائس جدا، وأورد مثالا علي هلهلة تحقيقات النيابة وارتباك القيد والوصف بأن لدينا جنايتين فيهما نفس الواقعة "تهمة قتل المتظاهرين" بنفس الشهود ونفس الخصوم ونفس المجني عليهم إحداهما في قضية حبيب العادلي ولدينا نفس التهم في جنايات اخري موزعة علي المحافظات. واعتبر عبد الحليم قنديل أن هذا النموذج مثال للهلهلة و"الكلفتة" - حسب تعبيره- وأضاف قنديل ان المشكلة في هذا الوضع ان إصلاحه يستوجب إعادة إنشاء القضية أو قيام القاضي بضم كل القضايا المرتبطة بقتل المتظاهرين الي هذه القضية. خلل في الوصف والقيد بخلاف ذلك، يواصل قنديل، فإن مسألة الوصف والقيد يشوبها الخلل بمعني اننا ننظر للقضية علي انها قضية افراد كما لو كانت جناية ثأر بين سين وصاد فننشغل بالبحث عن الرابطة السببية بين سين وصاد واين شاهده ومتي قابله؟ الحقيقة أن تصوير الأمر علي انه جناية افراد وليس جناية دولة ينطوي علي عوار كبير في الوقت الذي تتوفر الأدلة التي لا تستدعي هذا النظر الطويل في القضية، فهناك عدد محدد تختلف تقديراته قد يزيد علي 200 شخص قد ماتوا في تاريخ محدد وفي اماكن محددة وبطريقة محددة تضمنت موتا بطلق ناري في الرأس أو الرقبة والمسؤول عن هذا هو السلطات العامة بتراتبها من الرئيس لوزير الداخلية لمساعديه. أما فكرة البحث عن رابطة سببية ذات طابع شخصي والبحث عن سبب قتل الضابط لهذا الشخص أو ذاك بينما المفهوم انه اراد قتل المتظاهرين علي الشيوع والتخويف او الترويع علي الشيوع ففكرة إعمال الأمر علي انه جريمة فرد او أفراد بدلا من كونها جناية دولة ففي رأيي ان من شأنها ان تفلت كل المتهمين من قبضة العدالة ونكون بصدد مهرجان براءة للجميع في سخرية فظيعة من دم الشهداء وهذه في رأيي مصيبة حارة. جريمة نظام لامجرد فرد ويواصل قنديل : "هناك امثلة أخري هي اننا نحاكم مبارك علي السنن وليس علي الفروض أعني ليس علي التهم الأساسية ؛ فمبارك هنا ليس مجرد فرد هو ليس محمد حسني السيد مبارك لكنه رئيس نظام ارتكب بكامله جرائم كثيرة جدا لايرد لها ذكرفي هذه القضية ولا في غيرها". علي سبيل المثال باب القتل وحده لا يقتصر علي قتل المتظاهرين، فهناك قتل بالجملة وهناك التعذيب في السجون وهناك الاختفاء القسري مرورا بالإعدام لخلافات سياسية بمحاكم استثنائية بالإضافة الي الموت الجماعي في حوادث مثل العبارة وصاحبها كان شريكا مباشرا لدرجة التواطؤ بتهريبه وهناك تزوير للانتخابات لا يحاكم أحد عليه.وكأن شيطانا مجهولا نزل هذا البلد وفعلها غير مبارك. هذه التهم بالإفساد السياسي غير متضمنه في المحاكمتين اللتين نتابعهما الآن. ما اشعر به اننا بصدد محاكمة تهدف الي تضييع الوقت وامتصاص غضب الجماهير وربما يكون قرارها المباشر هو إحالة مبارك الي عزرائيل أي فكرة كسب الوقت انتظارا لأخبار أخري أو الي ان يقضي الله امرا كان مفعولا. ألفية محاكمة مبارك ويشدد قنديل هجومه علي ما أسماه " اسلوب المحاكمة بالتجزئة" معتبرا انه ينطوي علي مشكلات قانونية مدللا علي ذلك بقوله: إذا قمنا بضم قضايا قتل المتظاهرين فينبغي ان نفصل قضية بيع الغاز لإسرائيل ثم سيتعين فصل قضية حسين سالم في موضوع الفيلات. لذلك يؤكد د. عبد الحليم قنديل علي ضرورة النظر للموضوع برمته نظرة شاملة يتم فيها محاكمة نظام لا أفراد.ويتهكم قنديل : بهذا سنجري ألفية لمحاكمة مبارك لو استمر هذا التراخي والتباطؤ. وعن الشكل الأمثل للمحاكمات الذي يراه قال قنديل: هو إجراء محاكمة شاملة باعتبار انه لا يمكن في زمن ثوري ان تدار محاكمات وفقا لقوانين عادية وهو أمر لم يحدث في التاريخ وذلك لسبب بسيط جدا انه طبقا للقوانين العادية تعتبر الثورة في ذاتها جريمة لقلب نظام الحكم ، وإذن فطبقا للقوانين العادية يصبح الذي بجب ان يحاكم هم الثوار وليس مبارك.. ما يجري الآن من محاكمات وتباطؤ ممجوج يفرغ القضية من معناها العام ويدخلها في دروب التيه. وعن توقعاته بنوعية الأحكام التي يمكن ان تصدر في هذه القضية علي الرئيس السابق أجاب قنديل ساخراً: " هذا لو بقي علي قيد الحياة". السرطان قد يخلصه من الإعدام وعن احتمال نجاة الرئيس المخلوع من الحكم بالإعدام حتي لو ثبتت عليه التهم وذلك نظرا لتقدمه في السن الذي يحظي بأدني العقوبة لا أقصاها علق قنديل بقوله : ان مبارك قد ينجو من الإعدام لسبب آخر هو إصابته بمرض السرطان، فحسب القانون ينبغي علاج المحكوم بالإعدام وإذا كان مصابا بمرض لا يرجي شفاؤه يؤجل إعدامه الي حين إمكانية نظرية للشفاء. ويستطرد: مع ذلك هذه ليست هي القضية، السؤال هو لماذا تجري المحاكمات؟ لكي نحدث قطيعة مع الماضي حتي لايفسد عليك العيش في سلام. ولكن بهذه الطريقة الرجراجة نحن لا نأخذ من المحاكمات عبرة واعظة ولقد طالبنا بقانون خاص يطبقه القضاة العاديون.