حريقان كبيران يدمران مصنعين في مدينة 6 أكتوبر يدقان جرس الإنذار إلي بدء موسم حرائق الصيف مبكرا.. المفارقة ان مصر تكون علي موعد مع الحرائق كل عام في مثل هذا التوقيت، ولكن لا أحد يتعظ، والنتيجة كوارث موسمية، فهل الأزمة عند أصحاب الشركات والمؤسسات، أم أنها ضعف في آليات الرقابة ؟.. أم أن هناك أغراضا مشبوهة تحوم حول هذه الحرائق.. هذا ما سيجيب عنه هذا التحقيق في البداية تؤكد دراسة أجراها المركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية أن إهمال العنصر البشري يقف وراء 50 ٪ من الحرائق التي تشهدها مصر، بينما تقع حوادث الحريق المتعمد بنسبة 48 ٪ وتتركز في الشهور الأربعة الأولي من العام قبل جرد المخازن العامة بشهرين تقريبًا. وأوضحت الدراسة أن متوسط نشوب الحرائق في مصر يتركز في نحو 20 ألف حريق سنويا، وأن أكثر من 225 شخصًا يلقون حتفهم نتيجة هذه الحرائق، ويتراوح عدد المصابين ما بين 740 إلي 750 شخصًا من جرائها. وتشير إحصاءات المنظمة العربية للتنمية الصناعية إلي أن حجم الخسائر الناجمة عن هذه الحرائق تصل ل 400 مليون دولار. مسئولية مشتركة وبعيدا عن الحرائق المتعمدة التي كشفت الدراسة عن حدوثها بنسبة 48 ٪ فإن الأسباب الناتجة عن الإهمال البشري متعددة، وترجع بحسب د.حسام البرمبلي أستاذ العمارة بجامعة عين شمس إلي عدة أمور منها: استخدام مواد من مشتقات البترول القابلة للاشتعال، وعدم وجود شبكات إطفاء داخلية، وهي شبكة مياه توضع في سقف المنشأة.. كذلك عدم اتباع الأسلوب الأمثل عند التخزين ، وغياب أي وسائل للإطفاء، ويزيد من حجم الخسائر عدم وجود حارس ملم بطرق الدفاع المدني. ويحمل الدكتور البرمبلي المحليات خاصة الحي مسئولية التقاعس عن متابعة هذه المظاهر من الإهمال والتي تستوجب إصدار قرار بغلق المنشأة، لمخالفتها شروط الدفاع المدني. ويطالب البرمبلي بتنظيم حملات تفتيش دورية لمراجعة التصميمات الداخلية لأي منشأة واستبعاد مواد التشطيبات القابلة للحريق، والتأكد من أحمال الكهرباء وعدم تحميلها بأكثر من الحمل المقرر لها حتي لا يصبح الماس الكهربي هو المتهم الوحيد ومراجعة مكاتب استشارية في هذا المجال وتحميلها المسئولية الكاملة في حالة حدوث حريق. ومع تحميل البرمبلي للأحياء المسئولية الأكبر، إلا انه لا يعفي المهندسين والمواطنين من المسئولية. ويوضح في هذا الصدد أن نظم إخماد الحرائق هي آخر الاهتمامات التي يضعها المهندسون الذين يقومون بإنشاء المباني والمصانع في حسبانهم، علي الرغم من كونها الأساس الذي يجب الاهتمام به حتي يتم الحفاظ علي المنشأة. ويقول: في اغلب الأوقات يكون مصدر الحريق في أماكن صعب الوصول إليها وذلك يرجع إلي سببين، أولهما ان بعض المهندسين لا تتوافر لديهم الخبرة الكافية في مجال الحرائق وذلك نتيجة لعدم التخصص أو الإلمام بهذا المجال، فيقومون - مثلا - بوضع أماكن اللوحات الكهربية تحت السلالم أو في مكان يصعب الوصول إليه، ويرجع ذلك لاعتبار المنفذين ان هذه الجزئية ذات أهمية ثانوية. أما السبب الثاني فيتمثل في عدم توافر الوعي الكامل عن طرق الإخماد عند المواطنين، لتسهيل مهمة مصلحة الدفاع المدني في التعامل مع الحريق، كذلك لابد من تجهيز جميع المنشآت والمباني وتزويدها بمخارج طوارئ معدة لذلك الغرض. ويؤكد الدكتور البرمبلي أن عملية السيطرة علي الحريق في البداية هو الذي يحدد انتشاره من عدمه، لذا فإن ممارسات بعض الأفراد واجتهاداتهم في عمليات الإخماد تساهم في حجم الحريق وذلك نتيجة اختلاف أنواع الحرائق وطبيعة المواد المشتعلة فيها.. فعلي سبيل المثال ان المياه علي الرغم من كونها عاملا مهما في إطفاء الحرائق إلا أنها لا تتناسب مع جميع الحالات خاصة حوادث الكهرباء. ويضع المهندس الاستشاري وليد الغاياتي المهندسين في مقدمة سلم المسئولية عن حوادث الحريق، ويشير إلي مسئوليتهم في الوقاية من الحوادث عن طريق دراسة أجزاء كل منشأة وتحديد نوعية تجهيزاتها وحجم المواد القابلة للاشتعال بها، كما يجب أن يكون هناك شبكة إنذار تعلن عن وجود حريق وكذلك شبكة كاملة لإخماده قابلة للعمل بكفاءة منذ بداية وقوع الحريق. كما يجب أن يكون للمهندسين مسئولية - أيضا - في الوقاية من الحرائق، وذلك بتوفير أماكن خاصة للخروج في مثل هذه الحوادث، حيث أثبتت الدراسات أن مالا يقل عن 85 ٪ من مصابي الحرائق يدفعون بأنفسهم علي السلالم أو من خلال النوافذ نتيجة الاختناق بالدخان الذي لا يجد ما يصرفه، لذا يجب التركيز ايضا علي طرق سحب الدخان من اجل إنقاذ أرواح المواطنين. إهمال الابتكارات وإذا كان الخبراء قد أشاروا إلي إهمال العنصر البشري، كأحد أهم الأسباب، فإن من مظاهر الإهمال الأخري، هي غض الطرف عن ابتكارات يمكن أن تساعد في الوقاية من الحرائق، ويتحمل مسئولية هذا النوع من الإهمال الجهات الحكومية المعنية التي لم تبذل جهدا في استيعاب هذه الابتكارات التي يمكن أن تساعد في إخماد الحرائق. ومن بين هذه الابتكارات ما توصل له فني كهرباء مصري يدعي أيمن عوض زايد، حيث نجح في اختراع جهاز إنذار وإطفاء للحريق يعمل آليا، حصل به علي براءة اختراع من أكاديمية البحث العلمي. واستغرق زايد للوصول لهذا الاختراع عشر سنوات من البحث والتجريب، وهو في الأساس معد للوقاية من الحرائق بالحافلات، لكنه يصلح للتركيب في الشركات والمؤسسات. وتقوم فكرة الجهاز -الذي استخدم تجريبيا في حافلة نقل- علي وجود دائرة إنذار مبكر ودائرة إطفاء ذاتي، ويعتمد تشغيله علي نظرية الاشتعال.. فهو عبارة عن دائرة كهربية تعمل عند حدوث اشتعال أو ارتفاع في درجات الحرارة، وذلك بوضع شمعات الإنذار في الأماكن التي يحتمل نشوب حريق بها، مثل غرفة المحرك وتيل الفرامل وذلك بالنسبة للأتوبيسات والسيارات. ويقول زايد: عند حدوث اشتعال الشمعات أو انصهارها تعمل دائرة الإنذار علي الفور، حيث تنذر السائق بصوت مرتفع عبر لوحة أمامية تحدد بدقة المكان المحتمل حدوث اشتعال به، وفي ذات الوقت يعمل جهاز الإطفاء موجهاً مواد الإطفاء إلي هذا المكان، فيبطل بذلك أي احتمال لاندلاع الحرائق. فيلم قديم ومن الإهمال بمظاهره المختلفة كسبب أساسي للحرائق، يستبعد د.محمد يوسف الرئيس السابق لهيئة الرقابة علي التأمين سابقا والرئيس الحالي لجامعة بني سويف ان تنطبق فكرة الحريق المتعمد من أجل الاستفادة بقيمة التأمين، كأحد أسباب الحرائق، علي الأقل في الوقت الحالي. ويقول د.يوسف: " فكرة تعمد الحريق للحصول علي قيمة التأمين أصبحت فيلما قديما "، ويشير الرئيس السابق لهيئة الرقابة علي التأمين إلي الإجراءات التي تتبعها شركات التأمين قبل صرف قيمة التعويض، والتي تجعل من الصعوبة التحايل عليها. وتمر هذه الإجراءات كما يوضح د.يوسف بمراحل عدة، تتضمن مراجعة من شركة التأمين عن طريق خبير الحرائق التابع لها، ومراجعة أيضا من معيد التأمين. ومعيد التأمين هي الشركات التي قامت الشركة الأصلية بإعادة توزيع المخاطر عليها، بحيث تتحمل الشركة الأصلية نسبة 20 ٪ من قيمة التأمين، وتقوم بتوزيع نسبة ال 80 ٪ المتبقية علي هذه الشركات. ويقوم خبير الشركة وخبراء شركات إعادة التأمين بفحص موقع الحريق والتأكد من ان الشركة إلتزمت بكل اشتراطات الأمان، وإذا تأكد لديه بأنه ليست هناك ثمة شبه جنائية أو إهمال من قبل الشركة، وأن الحريق كان بسبب ظرف عارض، ففي هذه الحالة يتم صرف قيمة التأمين. لكن هذا لا ينفي وجود تعمد للحرائق، لكنه كما يوضح د.يوسف ، يكون في الوحدات الصغيرة، كمخزن يقوم أمينه بتعمد إحراقه قبل موعد الجرد، وهذه الحالات تكون في رأيه مفضوحة ومكشوفة.