موعد السادس من مايو كان يستحق الترقب.. فالانتخابات التشريعية الأولي في لبنان منذ 9 سنوات بعدما أحدثت تغييرات كبيرة في تحالفات القوي الانتخابية، جاءت نتائج التصويت لتعيد رسم خريطة المشهد السياسي اللبناني المعقد. المفاجأة الأولي في الانتخابات كانت عزوفا نسبيا من الناخبين عن التصويت، حيث لم تتجاوز نسب الإقبال 49.2% مقابل 54% في الانتخابات الماضية، وهو ما أرجعه العديد من المحللين إلي قانون الانتخاب النسبي المعقد الذي لم يفهمه كثير من الناخبين. الخاسر الأكبر من الانتخابات رئيس الوزراء سعد الحريري بعدما فقد تيار المستقبل ثلث مقاعده ليحقق 21 مقعدا فقط بدلا من 33، ليفقد أصواتا سنية مؤثرة لصالح حلفاء لحزب الله أو غريمه نجيب ميقاتي الذي أصبح متزعما طرابلس المعقل التاريخي للسنة، كما استطاع حزب الله تحقيق اختراق عبر حلفائه لمقاعد بيروت التي ظل الحريري يسيطر عليها سنوات عدة، ما يدل علي فشل دعوات الحريري لحشد الناخبين السنة. وعلي الجانب الاخر، نجح الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل في تحقيق نصر كاسح بنحو 30 مقعدا من أصل 128، وأثبت الهيمنة علي القطاع الشيعي من لبنان، وتقدر مقاعد حزب الله وحلفائه مجتمعين بنحو 67 مقعدا، ما يمنحه أغلبية »النصف زائد واحد» والثلث المعطل التي تؤهله للتحكم في قرارات البرلمان القادم. وحقق حزب القوات بزعامة سمير جعجع انتصارا كبيرا بحصد 15 مقعدا ليعزز مكانته بين مسيحيي لبنان، ويظهر منافسا شرسا للتيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل، الذي حقق مع حلفائه 29 مقعدا علي الرغم من التوقعات بحصد أصوات أكثر، كما أن العديد من المقاعد المسيحية انتقلت من جبهة الرئيس العماد ميشيل عون لتذهب إلي غريمه التاريخي جعجع ما يشكل تحولا في المزاج المسيحي قد يرجع إلي طبيعة التحالفات التي أجراها التيار الوطني مرتكزا علي مصالح انتخابية ومالية، علي عكس برنامج القوات الذي ركز علي قضايا حياتية وخدمية وتحالفات متسقة مع مبادئه. وتراجعت مقاعد زعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط إلي 9 مقاعد بدلا من 11 في برلمان 2009، ولكنه حافظ علي مكانته، وتلقي التيار المدني صدمة بتحقيق مقعد واحد فقط علي الرغم من محاولات اختراق القوائم الطائفية والحزبية، في نتيجة تدل علي تجذر الطائفية في النظام السياسي اللبناني وصعوبة تغييره في ظل قانون الانتخاب النسبي والصوت التفضيلي الذي يمنح غالبا علي أساس الطائفة. وبالنظر إلي مستقبل الأطياف السياسية استنادا لنتائج الاقتراع، نجد أن سعد الحريري مازال الزعيم السني الأكثر حصولا علي مقاعد داخل مجلس النواب، ما يؤهله لتشكيل حكومة جديدة ولكن وفق قواعد جديدة للعبة السياسية حددها تفوق حزب الله وحلفاؤه، فمن المنتظر أن يتم وضع شروط وقواعد من جانب خصوم الحريري لأنهم يستطيعون تعطيل تشكيل الحكومة أو الدفع باسم سني جديد من حلفائهم بعد الحصول علي أكثر من نصف مقاعد البرلمان. بعد تأكيد الحريري استمرار تحالف المستقبل مع التيار الوطني الحر لا يبدو واضحا إلي أي مدي سيستمر ذلك الارتباط، خاصة أن حزب الله وحركة أمل قد يضغطان علي الحريري لتخفيف تحالفه مع جبران باسيل وربما فك الارتباط تماما، بعد الخلافات الكبيرة بين رئيس البرلمان نبيه بري وباسيل. الوضع الإقليمي للبنان بعد الانتخابات يحيطه الغموض بعد تهديدات اسرائيلية بالتعامل مع أي حكومة لبنانية علي أنها ممثلة لحزب الله بعد تحقيق الحزب الحليف لإيران لأغلبية البرلمان، كما أن احتفاء الإعلام السوري الرسمي بما أسماه النتائج المؤيدة للمقاومة تفتح الباب للتساؤل حول استمرار خيار النأي بالنفس اللبناني، وهي كلها أمور تحددها الأيام المقبلة والتوازنات التي سيحاول سعد الحريري خلقها للاستمرار في السراي الكبير (مقر رئاسة الوزراء) بعد عاصفة الانتخابات التي أضعفت قواه.