في رد فعل علي ما كتبت علي مدار الأسابيع الماضية وبشكل متصل، صرح الوزير الجديد للتعليم العالي عقب حلف اليمين، بأنه بصدد دراسة واقع التعليم المفتوح وكذلك دراسة الانتساب الموجه الذي تم إلغاؤه العام قبل الماضي »9002«. وقد تلمست أن الوزير الجديد قد وصلته الرسالة وأن الموضوع مهم وعاجل ويحتاج إلي قرار سريع خاصة أن عملية التنسيق تجري علي قدم وساق. ولعل هذا هو السبب الذي أصر فيه علي الكتابة في هذا الموضوع طيلة الأسبوع الماضي لأولويته في ظل الحاح الوقت وضغط منظومة القيم الثورية من مساواة وعدالة وتكافؤ الفرص. إلا أنني أشعر أن القوي المضادة من أصحاب المصالح في كليات التعليم المفتوح، ربما تقف عقبة أمام إلغاء الموضوع، الأمر الذي سيعطي رسالة خاطئة للمجتمع أن كل شيء كما هو، مثل أمور أخري في الجامعة لم تتحرك وأهمها مسألة »القيادة الجامعية« رغم قرار مجلس الوزراء باعتبار جميع المناصب الجامعية شاغرة اعتبارا من 13 يوليو 1102 أي الاسبوع القادم! فالوزير مطالب الآن، إن لم يكن بالأمس، بإصدار قرار فوري بإلغاء توزيع الطلاب الناجحين في الثانوية العامة هذا العام 1102 علي كليات التعليم المفتوح، وإعادة شرط السنوات الخمس للحاصلين علي الثانوية العامة وما في مستواها للالتحاق بالتعليم المفتوح لمن فاتهم القطار التعليمي في حينه، وهنا فإن الرسوم المدفوعة ممن فاتهم القطار لأي سبب، قد تكون مبررة. أما ما يتم دفعه من رسوم للطلاب العاديين تحت أي صيغة هو أمر غير مبرر، وهو غير دستوري، فالدولة ملزمة بتقديم التعليم المجاني في جميع مراحل العملية التعليمية من الحضانة وحتي الدكتوراة، لمن اختار التعليم الحكومي. أما القادرون فلهم مسار التعليم الخاص يلتحقون به كما يشاءون. كما أن الدولة ملزمة بتقديم التعليم المتميز للطلاب، وعليها رعاية المتفوقين بصفة خاصة باعتبار أن ذلك يصب في تقدم الدولة وحماية أمنها القومي. لقد كنت أول من كتب مقالا في »الأهرام« منذ سنوات طويلة أن التعليم قضية أمن قومي حقيقي، وبعدها بدأ يشيع هذا الفهم دون تطوير المحتوي. وعندما تتحايل الدولة علي الدستور، وتنتهكه، عن طريق التفكير وإصدار القرارات لخلق روافد للحصول علي الأموال، مستغلة في ذلك ثقة المجتمع في الجامعة الحكومية حتي الآن، تتحول الدولة إلي »تاجر كبير« وليس صاحبة رسالة أو حامية للدستور، وتقدم نفسها علي أنها تسعي للربح من القادرين، وعلي حساب العملية التعليمية واحترام الدستور، وعلي حساب القيم، ومنها المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص في ذات الوقت فإن هذه »الدولة التاجرة« ساهمت في تكريس »التعليم الطبقي« وهو أسوأ صورة للدولة الحديثة ولكن في صورتها السلبية. فالتعليم له مساران، هما: التعليم الحكومي المجاني، والتعليم الخاص بمصاريف، ولا يوجد بينهما خيار ثالث. فالتعليم الخاص يمكن أن يقدم منحا مجانية لغير القادرين وبشرط التفوق حتي يتجمل بهم أمام المجتمع، ولكنه يضعهم داخل نفس القاعات والمدرجات. ولا تخصص لغير القادرين في هذا التعليم الخاص قاعات خاصة وإلا شعروا بأنهم منبوذون. وعلي الجانب الآخر فإن التعليم الحكومي هو تعليم مجاني لمن يطلبه وفق ترتيب المجموع وآلية مكتب التنسيق. ولذلك لا يجوز أخلاقيا أن تقدم الدولة تعليما خاصا برسوم للقادرين. وفي نفس الوقت تخصص لهم القاعات المكيفة وسط ذهول الطلاب الفقراء في نفس الكلية. وهو أسوأ صورة للدولة المصرية قدمها وزير التعليم العالي السابق. وقد كانت هذه الأموال المحصلة من الطلاب القادرين سبيلا لخلق الفساد في داخل الجامعة وأخرجها عن مسارها ورسالتها الحقيقية. وقد شاهدنا وعايشنا ورأينا، أساتذة يحتلون المناصب الجامعية بإرادة الأمن وغيره، وهم يضعفون أمام هذه الأموال ويسرقونها دون حساب بكل أسف! وقد أوضحت التجرية علي أن تدنيس التعليم الحكومي المجاني، قد أدي إلي إشاعة الفساد في الجامعة، وإهدار قيمة الجامعة لدي المواطنين، وهدم القيم الأخلاقية في رسالة الجامعة عندما تحولت إلي »تاجر كبير« أو رجل أعمال. كما أن ذلك أسهم في الإساءة لغير القادرين »الفقراء« وجرح مشاعرهم عندما خلقت تعليما طبقيا (مصروفات + غير مصروفات)، (أقسام لغات + أقسام باللغة العربية)، (برامج مميزة بمصروفات برامج عادية بغير مصروفات)، وأن تدنيس التعليم الحكومي المجاني، يحتاج إلي تطهر وتطهير، وأن الرجوع إلي القيم الثورية »المساواة والتكافؤ في الفرص والعدالة«، هو السبيل لهذا التطهر، وأن تطهير الجامعة من المعوقين للرجوع إلي المسار الجامعي المجاني، هو أمر ضروري مكمل للتطهر حماية للمستقبل. ودائما ما أقول أن التعليم كالصلاة، حيث يصطف الجميع بلا تمييز، ولا نجد من يخصص صفا في الصلاة للأغنياء وصفا للفقراء، أو صفا للبهوات والأفندية وصفا للصنايعية فالكل متساو، وهذه قيمة عليا لاتمس، وتسهم في خلق المجتمع الموحد والمتجانس، وهو السبيل للمجتمع القوي المتقدم والنهاهض. وختاما فإن استعجال القرارات وإعلانها من وزير التعليم العالي »د. معتز خورشيد«، لهو تأكيد علي قناعته بالثورة وقيمها، وأن عدم الإقدام علي إعادة الاعتبار للتعليم الحكومي الجامعي المجاني ابتداء من هذه اللحظة، فإن الوزير والحكومة يفقدان شرعيتهما الثورية وهم بالتالي علي الجانب الآخر. والحوار متصل. رئيس قسم العلوم السياسية - جامعة بورسعيد