يوم السبت الدامي ، علي وزن الأربعاء الدامي، أو يوم معركة الجمل الثانية، كنت أتردد علي الميدان وأعود إلي المقهي . "مقهي ريش "مرة، ومرة" مقهي البستان" استريح من الشمس التي لا أتحملها . كنت عرفت من عدد من الأصدقاء أن اللواء الرويني قال محذرا في الصباح من أن هناك معلومات وصلته أن ثوار التحرير سيذهبون الي مقر الحاكم العسكري في العباسية من أكثر من طريق . من التحرير ومصر الجديدة ، يحملون معهم الأسلحة وقنابل المولوتوف . وكنت عرفت بما جري يوم الجمعة في مسجد الفتح وإعلان أحد شيوخ السلفية أنهم سيقومون بتطهير ميدان التحرير بالقوة في الجمعة القادمة . في ميدان التحرير وقفت أسمع حوارات بعض الشباب الذين لا أعرفهم معرفة شخصية قبل الذهاب إلي العباسية . قلت لهم لقد ذهبتم أمس ومرّت علي خير . أما اليوم فأتصور أن هناك شيئا ما سيحدث، خاصة بعد ما قاله اللواء الرويني في الصباح، وما قاله شيخ السلفية في جامع الفتح أمس . وإن ما يحدث بين السلفيين والإخوان والمجلس العسكري من تقارب لا يبشر بخير، فوتوا اليوم ولا تذهبوا الي العباسية . ستذهبون كما أنتم دائما بلا أي سلاح وترفعون راية السلم التي صنعتم بها أعظم ثورة، لتؤكدوا أنكم لستم كما أعلن اللواء الرويني وأخشي لأن يكون هذا استدراجا لكم إلي فخ يتم بعده التشهير بكم أنكم ذهبتم إلي هناك بالأسلحة التي تحدث عنها السيد اللواء . لكن الشباب الذي هو بالطبيعة يذهب إلي هدفه من أكثر الطرق، فما بالك بالشباب في ثورته، لم يكن ممكنا أن يستمع لكلامي . والحقيقة كان أكثر من شخص يتحدث معهم في ذلك . قال أحد الشباب حاسما الموقف . نحن نعرف أنه يتم استدراجنا إلي فخ ولكننا سنذهب وليكن ما يكون . مضت ساعة بعد تحركهم إلي العباسية وجاءت الأخبار بالمعركة والفخ الذي هيئ لهم . طال الكلام في الفضائيات والصحف عما جري ولن أعيده . ولابد أن الجميع الآن يدركون أن ما جري كان بتخطيط للإيقاع بالشباب في فخ الموت . كيف حقا يمكن أن يفعل أحد ذلك وينام قرير العين ؟ كان هذا شأن رجال النظام السابق الذين كانت أكبر ميزاتهم أنهم بلا قلب فكيف يظل موجودا بعد ستة أشهر من الثورة ؟ لا يستطيع أن ينكر أحد ذلك الفخ الآن . سواء بالاكاذيب التي تم بها شحن سكان العباسية عن احتلال الشباب للميدان وتعطيل العمل أو عن شقق حطمت ونهبت أمس الجمعة . وبالمناسبة حكاية الشقق هذه أعلنت يوم الإثنين بعد أن يئس أصحاب الفخ أن يجدوا مبررا لما جري . ما علينا من هذا كله . والذي يريد أن يحقق في المعركة سيعرف الحقيقة كاملة لو رأي أين كان يقف البلطجية وماذا كانوا يحملون وأين كان يقف الشباب الذين لا يحملون إلا شعاراتهم . الذي يريد أن يعرف الحقيقة يمكن له أن يستجوب العائلة التي كانت تقذف الحجارة من فوق السطح . أو يستجوب الرجل ذا الجلباب الذي ظهر يشجع البلطجية صارخا " إلي الجهاد " . أما الذي يريد أن يعرف الحقيقة أكثر وبلا استجواب لأحد فليستمع إلي ماقاله الشيخ حسنين النجار الذي اتصل يومها ببرنامج العاشرة يحكي ماجري ثم ظهر في الأون تي في يوم الإثنين مع عدد من أجمل شباب الثورة . والذي يريد أن يعرف الحقيقة سيعرفها من تاريخ الثورة نفسها . كل المعارك مع الثوار كان البلطجية أبطالها سواء تم تأجيرهم من الشرطة أم من رجال الأعمال أم من بقايا الحزب الوطني . أما أن تقف قوات الجيش صامتة وسط المعركة ويكون البلطجية خلفهم أو يكونون متمترسين في الازقة قبل وصول الثوار، فهذا هو الذي لم يكن يخطر لأحد علي بال . والذي لابد أن تمتد اليه التحقيقات وتقدم له التفسيرات المقنعة أو يجازي من شارك فيه . علي أني أيضا لن استرسل في الحديث عن هذه المعركة الخائبة. فقط أريد أن أحيي الشيخ حسنين النجار الذي عاد بي إلي ماكانت عليه الثورة في أيامها الأولي، حين بلغت القمة في الفضيلة والفضائل. طول عمرنا نقرأ عن شيوخ عظام ساهموا في ثوراتنا العظمي، ثورة عرابي أو ثورة 1919 . هذا الشيخ هو ابن هذه الأرض التي أعلت من شأن الأديان السماوية . سمعته يتحدث في المرتين فأحسست بالتاريخ العظيم للضمير في الأمة التي كانت فجر الضمير . ورأيته علي الشاشة فرأيت سماحة الشيوخ العظام تطل من وجهه وهو يترفق بالحديث أو وهو ينفعل بنقاء لا يكتبه الله إلا لمن يحبهم ويصطفيهم . مصر التي أكد شبابها أنها لن تنطفئ ثورتها ولن تعود الي الظلام، أنجبت هذا الشيخ الذي إذا تكلم فتحت له البلاد قلبها . والذي حين تكلم اضاءت الحقيقة وسط الظلام المعد سلفا لإخفائها . وإذا لم يكن من هذه المعركة أي فائدة فيكفي أنها أظهرت هذا الشيخ الذي بوجوده لن تضل البلاد. ليت الشيوخ وكل الذين يرفعون راية الاسلام في السياسة ينظرون إلي هذا الشيخ ويستمعون له. تنبيه وإنذار : أذاعت قناة دريم الثلاثاء أول أمس في برنامج العاشرة مشهدا لجماعة من الهامشيين الذين احتلوا منطقة وسط المنازل الراقية بالتجمع الخامس ، وقال سكان المنطقة أنهم بلطجية يدخنون الحشيش ويطلقون الرصاص في الليل ويستعدون لأي جهة تفكر في طردهم بأنابيب البوتاجاز وغير ذلك . وأن السكان اشتكوا للشرطة العسكرية والداخلية وأنها أتت وتحدثت مع هؤلاء الغرباء ولا شيء حدث. وحتي لا يحتار الكثيرون في التفسير لهذه الظاهرة فلنتذكر الإحصائيات التي تحدثت عن حوالي نصف مليون بلطجي كانوا يتعاونون في النظام السابق مع وزارة الداخلية والحزب الوطني. هؤلاء لم يعد لهم عمل، ولا يمكن جمعهم جميعا في كل معركة مع الثوار، لذلك سوف يتحولون بالمعركة إلي النظام الجديد نفسه الذي لا يحتاج إلي خدمة هذه الأعداد الهائلة. أو أي منها بعد ان تحقق الثورة أهدافها.